للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى خلقه الله تعالى في كف ملك الموت، وفي بعضها أن الله تعالى خلقه على صورة كبش لا يمر بشيء يجد ريحه إلا مات، وجل عبارات العلماء أنه عرض يعقب الحياة أو فساد بنية الحيوان، والأول غير مانع والثاني رسم بالثمرة، وقريب منه ما قاله بعض الأفاضل: إنه تعطل القوى لانطفاء الحرارة الغريزية التي هي آلتها فإن كان ذلك لانطفاء الرطوبة الغريزية فهو الموت الطبيعي وإلا فهو الغير الطبيعي، والناس لا يعرفون من الموت إلا انقطاع تعلق الروح بالبدن التعلق المخصوص ومفارقتها إياه، والمراد بالنفس النفس الحيوانية وهي مطلقا أعم من النفس الإنسانية كما أن الحيوان مطلقا أعم من الإنسان.

والنفوس عند الفلاسفة ومن حذا حذوهم ثلاثة: النباتية والحيوانية والفلكية والنفس مقولة على الثلاثة بالاشتراك اللفظي على ما حكاه الإمام في الملخص عن المحققين. وبالاشتراك المعنوي على ما يقتضيه كلام الشيخ في الشفاء، وتحقيق ذلك في محله، وإرادة ما يشمل الجميع هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقال بعضهم: المراد بها النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفي خلود البشر، واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر أنواع الحيوان ولا يضر ذلك بالسوق بل هو أنفع فيه، ولا شك في موت كل من أفراد تلك الأنواع نعم اختلف في أنه هل يصح إرادة عمومها بحيث تشمل نفس كل حي كالملك وغيره أم لا بناء على الاختلاف في موت الملائكة عليهم السلام والحور العين فقال بعضهم: إن الكل يموتون ولو لحظة لقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] وقال بعضهم: إنهم لا يموتون لدلالة بعض الأخبار على ذلك، والمراد من كل نفس النفوس الأرضية والآية التي استدل بها مؤولة بما ستعلمه إن شاء الله تعالى إلى وهم داخلون في المستثنى في قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: ٦٨] أولا يسلم أن كل صعق موت، وقال بعضهم: إن الملائكة يموتون والحور لا تموت، وقال آخرون: إن بعض الملائكة عليهم السلام يموتون وبعضهم لا يموت كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام ورجح قول البعض، ولا يرد أن الموت يقتضي مفارقة الروح البدن والملائكة عليهم السلام لا أبدان لهم لأن القائل بموتهم يقول بأن لهم أبدانا لكنها لطيفة كما هو الحق الذي دلت عليه النصوص، وربما يمنع اقتضاء الموت البدن.

وبالغ بعضهم فادعى أن النفوس أنفسها تموت بعد مفارقتها للبدن وإن لم تكن بعد المفارقة ذات بدن، وكأنه يلتزم تفسير الموت بالعدم والاضمحلال، والحق أنها لا تموت سواء فسر الموت بما ذكر أم لا، وقد أشار أحمد بن الحسين الكندي إلى هذا الاختلاف بقوله:

تنازع الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في شجب

فقيل تخلص نفس المرء سالمة ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب

وذهب الإمام إلى العموم في الآية إلا أنه قال: هو مخصوص فإن له تعالى نفسا كما قال سبحانه حكاية عن عيسى عليه السلام تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [المائدة: ١١٦] مع أن الموت مستحيل عليه سبحانه، وكذا الجمادات لها نفوس وهي لا تموت، ثم قال: والعام المخصوص حجة فيبقى معمولا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه، وذلك يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية إنها لا تموت اهـ، وفيه أنه إن أراد بالنفس الجوهر المتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصريف كما قاله الفلاسفة ومن وافقهم أو الجسم النوراني الخفيف الحي المتحرك النافذ في الأعضاء الساري فيها سريان ماء الورد كما عليه جمهور المحدثين وذكر له ابن القيم مائة دليل فالله تعالى منزه عن ذلك أصلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>