للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبارة عن الصوت والنداء على الكلام لذلك، فإن الإنذار عادة يكون بأصوات عالية مكررة مقارنة لهيئات دالة عليه فإذا لم يسمعوها يكن صممهم في غاية لم يسمع بمثلها، وقيل لأن الكلام في الإنذار ألا ترى قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وفيه دغدغة لا تخفى.

وقرأ ابن عامر وابن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص «تسمع» بالتاء على الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم من الأسماع «الصمّ الدعاء» بنصبهما على المفعولية، وهذه القراءة تؤيد احتمال كون الجملة من جهته تعالى وقرىء «يسمع» بالياء على الغيبة وإسناد الفعل إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم «الصم الدعاء» بنصبهما على ما مر. وذكر ابن خالويه أنه قرىء «يسمع» مبنيا للمفعول «الصم» بالرفع على النيابة عن الفاعل «الدعاء» بالنصب على المفعولية. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عن أبي عمرو «يسمع» بضم ياء الغيبة وكسر الميم «الصمّ» بالنصب على المفعولية «الدعاء» بالرفع على الفاعلية يسمع، وإسناد الأسماع إليه من باب الاتساع والمفعول الثاني محذوف كأنه قيل ولا يسمع الصم الدعاء شيئا، وقوله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ بيان لسرعة تأثرهم من مجيء نفس العذاب إثر بيان عدم تأثرهم من مجيء خبره على نهج التوكيد القسمي أي وبالله لئن مسهم أدنى شيء من عذابه تعالى: لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي ليدعن على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترفن عليها بالظلم السابق، وفي مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ ثلاث مبالغات كما قال الزمخشري وهي كما في الكشف ذكر المس وهو دون النفوذ ويكفي في تحققه إيصال ما، وما في النفح من معنى النزارة فإن أصله هبوب رائحة الشيء ويقال نفحته الدابة ضربته بحد حافرها ونفحه بعطية رضخه وأعطاه يسيرا، وبناء المرة وهي لأقل ما ينطلق عليه الاسم، وجعل السكاكي التنكير رابعتها لما يفيده من التحقير، واستفادة ذلك إن سلمت من بناء المرة ونفس الكلمة لا يعكر عليه كما زعم صاحب الإيضاح.

واعترض بعضهم المبالغة في المس بأنه أقوى من الإصابة لما فيه من الدلالة على تأثر حاسة الممسوس ومما ذكر في الكشف يعلم اندفاعه لمن مسته نفحة عناية، ولعل في الآية مبالغة خامسة تظهر بالتأمل ثم الظاهر أن هذا المس يوم القيامة كما رمزنا إليه، وقيل في الدنيا بناء على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من تفسير النفحة بالجوع الذي نزل بمكة وقوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ بيان لما سيقع عند إتيان ما أنذروه.

وجعل الطيبي الجملة حالا من الضمير في لَيَقُولُنَّ بتقدير ونحن نضع، وهي في الخلو عن العائد نحو جئتك والشمس طالعة، ويجوز أن يقال: أقيم العموم في نَفْسٌ الآتي بعد مقام العائد وهو كما ترى أي ونحضر الموازين العادلة التي توزن بها صحائف الأعمال كما يقضي بذلك حديث السجلات والبطاقة التي ذكره مسلم وغيره أو نفس الأعمال كما قيل، وتظهر بصور جوهرية مشرقة إن كانت حسنات ومظلمة إن كانت سيئات، وجمع الموازين ظاهر في تعدد الميزان حقيقة وقد قيل به فقيل لكل أمة ميزان، وقيل لكل مكلف ميزان، وقيل للمؤمن موازين بعد خيراته وأنواع حسناته، والأصح أشهر أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال كفّتاه كأطباق السموات، والأرض لصحة الأخبار بذلك، والتعدد اعتباري وقد يعبر عن الواحد بما يدل على الجمع للتعظيم كقوله تعالى: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً [المؤمنون: ٩٩] وقوله فارحموني يا إله محمّد، وإحضار ذلك تجاه العرش بين الجنة والنار ويأخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرا إلى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه كما في نوادر الأصول، وهل هو مخلوق اليوم أو سيخلق غدا؟.

قال اللقاني: لم أقف على نص في ذلك كما لم أقف على نص في أنه من أي الجواهر هو اهـ، وما روي من أن داود عليه السلام سأل ربه سبحانه أن يريه الميزان فلما رآه غشي عليه ثم أفاق فقال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ

<<  <  ج: ص:  >  >>