للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالُوا أي حين رجعوا من عيدهم ورأوا ما رأوا مَنْ فَعَلَ هذا الأمر العظيم بِآلِهَتِنا قالوه على طريقة الإنكار والتوبيخ والتشنيع، والتعبير عنه بالآلهة دون الأصنام أو هؤلاء للمبالغة في التشنيع، وقوله تعالى: إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ استئناف مقرر لما قبله، وجوز أبو البقاء أن تكون مَنْ موصولة مبتدأ وهذه الجملة في محل الرفع خبره أي الذي فعل هذا الكسر والحطم بآلهتنا إنه معدود من جملة الظلمة إما لجرأته على إهانتها وهي الحفية بالإعظام أو لتعريض نفسه للهلكة أو لإفراطه في الكسر والحطم، والظلم على الأوجه الثلاثة بمعنى وضع الشيء في غير موضعه قالُوا أي بعضهم منهم وهم الذين سمعوا قوله عليه السلام: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ عند بعض سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يعيبهم فلعله الذي فعل ذلك بهم وسمع. كما قال بعض الأجلة. حقه أن يتعدى إلى واحد كسائر أفعال الحواس كما قرره السهيلي ويتعدى إليه بنفسه كثيرا وقد يتعدى إليه بإلى أو اللام أو الباء، وتعديه إلى مفعولين مما اختلف فيه فذهب الأخفش. والفارسي في الإيضاح وابن مالك وغيرهم إلى أنه إن وليه ما يسمع تعدى إلى واحد كسمعت الحديث وهذا متفق عليه وإن وليه ما لا يسمع تعدي إلى اثنين ثانيهما مما يدل على صوت.

واشترط بعضهم كونه جملة كسمعت زيدا يقول كذا دون قائلا كذا لأنه دال على ذات لا تسمع، وأما قوله تعالى: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ [الشعراء: ٧٢] فعلى تقدير مضاف أي هل يسمعون دعاءكم، وقيل ما أضيف إليه الظرف مغن عنه، وفيه نظر، وقال بعضهم: إنه ناصب لواحد بتقدير مضاف مسموع قبل اسم الذات، والجملة إن كانت حال بعد المعرفة صفة بعد النكرة ولا تكون مفعولا ثانيا لأنها لا تكون كذلك إلا في الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر وليس هذا منها.

وتعقب بأنه من الملحقات برأي العلمية لأن السمع طريق العلم كما في لتسهيل وشروحه فجوز هنا كون فَتًى مفعولا أولا وجملة يَذْكُرُهُمْ مفعولا ثانيا، وكونه مفعولا والجملة صفة له لأنه نكرة، وقيل إنها بدل منه، ورجحه بعضهم باستغنائه عن التجوز والإضمار إذ هي مسموعة والبدل هو المقصود بالنسبة وإبدال الجملة من المفرد جائز، وفي الهمع أن بدل الجملة من المفرد بدل اشتمال، وفي التصريح قد تبدل الجملة من المفرد بدل كل من كل فلا تغفل، وقال بعضهم إن كون الجملة صفة أبلغ في نسبة الذكر إليه عليه السلام لما في ذلك من إيقاع الفعل على المسموع منه وجعله بمنزلة المسموع مبالغة في عدم الواسطة فيفيد أنهم سمعوه بدون واسطة.

ووجه بعضهم الأبلغية بغير ما ذكر مما بحث فيه، ولعل الوجه المذكور مما يتأتى على احتمال البدلية فلا تفوت المبالغة عليه، وقد يقال: إن هذا التركيب كيفما أعرب أبلغ من قولك سمعنا ذكر فتى ونحوه ما لا يحتاج فيه إلى مفعولين اتفاقا لما أن سَمِعْنا لما تعلق بفتى أفاد إجمالا أن المسموع نحو ذكره إذ لا معنى لأن يكون نفس الذات مسموعا ثم إذا ذكر يَذْكُرُهُمْ علم ذلك مرة أخرى ولما فيه من تقوى الحكم بتكرر الإسناد على ما بين في علم المعاني ولهذا رجح أسلوب الآية على غيره فتدبر.

وقوله تعالى: يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ صفة لفتى، وجوز أن يكون استئنافا بيانيا والأول أظهر، ورفع إِبْراهِيمُ على أنه نائب الفاعل ليقال على اختيار الزمخشري وابن عطية، والمراد لفظه أي يطلق عليه هذا اللفظ، وقد اختلف في

<<  <  ج: ص:  >  >>