للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التخريج، والآية عليه في غاية الغموض وما ذكر في معناها بعيد بمراحل عن لفظها، وزعم بعضهم أن الآية على ظاهرها وادعى أن صدور الكذب من الأنبياء عليهم السلام لمصلحة جائز، وفيه أن ذلك يوجب رفع الوثوق بالشرائع لاحتمال الكذب فيها لمصلحة فالحق أن لا كذب أصلا وأن في المعارض لمندوحة عن الكذب، وإنما قال عليه السلام إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ دون إن كانوا يسمعون أو يعقلون مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضا لما أن نتيجة السؤال هو الجواب وإن عدم نطقهم أظهر وتبكيتهم بذلك أدخل، وقد حصل ذلك حسبما نطق به قوله تعالى: فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فتفكروا وتدبروا وتذكروا أن ما لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإضرار بمن كسره بوجه من الوجوه يستحيل أن يقدر على دفع مضرة عن غيره أو جلب منفعة له فكيف يستحق أن يكون معبودا.

فَقالُوا أي قال بعضهم لبعض فيما بينهم إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ أي بعبادة ما لا ينطق قاله ابن عباس أو بسؤالكم إبراهيم عليه السلام وعدو لكم عن سؤالها وهي آلهتكم ذكره ابن جرير أو بنفس سؤالكم إبراهيم عليه السلام حيث كان متضمنا التوبيخ المستتبع للمؤاخذة كما قيل أو بغفلتكم عن آلهتكم وعدم حفظكم إياها أو بعبادة الأصاغر مع هذا الكبير قالهما وهب أو بأن اتهمتم إبراهيم عليه السلام والفأس في عنق الكبير قاله مقاتل، وابن إسحق، والحصر إضافي بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أصل النكس قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفله، ولا يلغو ذكر الرأس بل يكون من التأكيد أو يعتبر التجريد، وقد يستعمل النكس لغة في مطلق قلب الشيء من حال إلى حال أخرى ويذكر الرأس للتصوير والتقبيح.

وذكر الزمخشري على ما في الكشف في المراد به هنا ثلاثة أوجه، الأول أنه الرجوع عن الفكرة المستقيمة الصالحة في تظليم أنفسهم إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها مع الاعتراف بتقاصر حالها عن الحيوان فضلا أن تكون في معرض الإلهية فمعنى لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ لا يخفى علينا وعليك أيها المبكت بأنها لا تنطق أنها كذلك وإنا إنما اتخذناها آلهة مع العلم بالوصف، والدليل عليه جواب إبراهيم عليه السلام الآتي، والثاني أنه الرجوع عن الجدل معه عليه السلام بالباطل في قولهم: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا وقولهم: أَأَنْتَ فَعَلْتَ إلى الجدال عنه بالحق في قولهم: لَقَدْ عَلِمْتَ لأنه نفي للقدرة عنها واعتراف بعجزها وأنها لا تصلح للإلهية وسمي نكسا وإن كان حقا لأنه ما أفادهم عقدا فهو نكس بالنسبة إلى ما كانوا عليه من الباطل حيث اعترفوا بعجزها وأصروا. وفي لباب التفسير ما يقرب منه مأخذا لكنه قدر الرجوع عن الجدال عنه في قولهم: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ إلى الجدال معه عليه السلام بالباطل في قولهم: لَقَدْ عَلِمْتَ والثالث أن النكس مبالغة في إطراقهم رؤوسهم خجلا وقولهم: لَقَدْ عَلِمْتَ إلخ رمي عن حيرة ولهذا أتوا بما هو حجة عليهم وجاز أن يجعل كناية عن مبالغة الحيرة وانخذال الحجة فإنها لا تنافي الحقيقة، قال في الكشف. وهذا وجه حسن وكذلك والأول، وكون المراد النكس في الرأي رواه أبو حاتم عن ابن زيد وهو للوجهين الأولين، وقال مجاهد: معنى نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ ردت السفلة السفلة على الرؤساء. فالمراد بالرؤوس الرؤساء، والأظهر عندي الوجه الثالث، وأيا ما كان فالجار متعلق بنكسوا.

وجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالا، والجملة القسمية مقولة لقول مقدر أي قائلين لَقَدْ إلخ، والخطاب في عَلِمْتَ لإبراهيم عليه السلام لا لكل من يصلح للخطاب، والجملة المنفية في موضع مفعولي علم إن تعدت إلى اثنين أو في موضع مفعول واحد إن تعدت لواحد، والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار كما يوهمه صيغة المضارع، وقرأ أبو حيوة. وابن أبي عبلة. وابن مقسم. وابن الجارود. والبكراوي كلاهما عن هشام بتشديد كاف «نكّسوا» ، وقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>