للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى وآتينا نوحا ولم يستبعد ذلك أبو حيان وليس بشيء، قيل ولما ذكر سبحانه «قصة ابراهيم» عليه السلام وهو أبو العرب أردفها جل شأنه بقصة أبي البشر وهو الأب الثاني كما أن آدم عليه السلام الأب الأول بناء على المشهور من أن جميع الناس الباقين بعد الطوفان من ذريته عليه السلام وهو ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس فيما يقال وهو أطول الأنبياء عليهم السلام على ما في التهذيب عمرا، وذكر الحاكم في المستدرك أن اسمه عبد الغفار وأنه قيل له نوح لكثرة بكائه على نفسه، وقال الجواليقي: إن لفظ نوح أعجمي معرب زاد الكرماني ومعناه بالسريانية الساكن إِذْ نادى أي دعا الله تعالى بقوله: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر: ١٠] وقوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] وإذ ظرف للمضاف المقدر كما أشرنا إليه ومن لم يقدر يجعله بدل اشتمال من نوح.

مِنْ قَبْلُ أي من قبل هؤلاء المذكورين، وذكرنا قبل قولا آخر فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وهو الطوفان أو أذية قومه وأصل الكرب الغم الشديد وكأنه على ما قيل من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر إذ الغم يثير النفس إثارة ذلك أو من كربت الشمس إذا دنت للمغيب فإن الغم الشديد تكاد شمس الروح تغرب منه أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشاء الدلو فإن الغم كعقدة على القلب، وفي وصفه بالعظيم تأكيد لما يدل هو عليه وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي منعناه وحميناه منهم بإهلاكهم وتخليصه، وقيل: أي نصرناه عليهم فمن بمعنى على، وقال بعضهم: إن النصر يتعدى بعلى ومن، ففي الأساس نصره الله تعالى على عدوه ونصره من عدوه، وفرق بينهما بأن المتعدى بعلى يدل على مجرد الإعانة والمتعدى بمن يدل على استتباع ذلك للانتقام من العدو والانتصار إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ منهمكين في الشر، والجملة تعليل لما قبلها وتمهيد لما بعد من قوله تعالى:

فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فإن تكذيب الحق والانهماك في الشر مما يترتب عليه الإهلاك قطعا في الأمم السابقة، ونصب أَجْمَعِينَ قيل على الحالية من الضمير المنصوب وهو كما ترى، وقال أبو حيان: على أنه تأكيد له وقد كثر التأكيد بأجمعين غير تابع لكل في القرآن فكان ذلك حجة على ابن مالك في زعمه أن التأكيد به كذلك قليل والكثير استعماله تابعا لكل انتهى.

وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إما عطف على نُوحاً معمول لعامله أعني أذكر عليه على ما زعم ابن عطية، وإما مفعول لمضمر معطوف على ذلك العامل بتقدير المضاف أي نبأ داود وسليمان. وداود بن ايشا (١) بن عوبر بن باعر ابن سلمون بن يخشون بن عمي بن يا رب بن حضرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب عليه السلام كان، كما روي عن كعب أحمر الوجه سبط الرأس أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت وجمع له بين النبوة والملك، ونقل النووي عن أهل التاريخ أنه عاش مائة سنة ومدة ملكه منها أربعون، وكان له اثنا عشر ابنا وسليمان عليه السلام أحد أبنائه وكان عليه السلام يشاور في كثير من أموره مع صغر سنه لوفور عقله وعلمه.

وذكر كعب أنه كان أبيض جسيما وسيما وضيئا خاشعا متواضعا، وملك كما قال المؤرخون وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وله ثلاث وخمسون سنة، وقوله تعالى: إِذْ يَحْكُمانِ ظرف لذلك المقدر، وجوزت البدلية على طرز ما مر، والمراد إذ حكما فِي الْحَرْثِ إلا أنه جيء بصيغة المضارع حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها، والمراد بالحرث هنا الزرع.

وأخرج جماعة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه الكرم، وقيل إنه يقال فيهما إلا أنه في الزرع أكثر، وقال


(١) قوله «بن ايشا» إلى آخر النسب هكذا في نسخة المؤلف هو مغاير لما في كثير من كتب التواريخ وحرر اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>