في الكناسة لا يحوم حوله أحد من الناس فعند ذلك خر ساجدا فقال: رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
وأخرج ابن عساكر عن الحسن أنه عليه السلام قال ذلك حين مر به رجلان فقال أحدهما لصاحبه: ولو كان لله تعالى في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله فسمع عليه السلام فشق عليه فقال: (رب) إلخ،
وروى أنس مرفوعا أنه عليه السلام نهض مرة ليصلي فلم يقدر على النهوض فقال (رب)
إلخ وقيل غير ذلك ولعل هذا الأخير أمثل الأقوال، وكان عليه السلام بلاؤه في بدنه في غاية الشدة، فقد أخرج ابن جرير عن وهب بن منبه قال: كان يخرج في بدنه مثل ثدي النساء ثم يتفقأ، وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أنه قال: ما كان بقي من أيوب عليه السلام إلا عيناه وقلبه ولسانه فكانت الدواب تختلف في جسده، وأخرج أبو نعيم.
وابن عساكر عنه أن الدودة لتقع من جسد أيوب عليه السلام فيعيدها إلى مكانها ويقول: كلي من رزق الله تعالى،
وما أصاب منه إبليس في مرضه كما أخرج البيهقي في الشعب إلا الأنين، وسبب ابتلائه على ما خرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه استعان به مسكين على درء ظلم عنه فلم يعنه.
وأخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني في ذلك أن الشام أجدب فكتب فرعون إليه عليه السلام أن هلم إلينا فإن لك عندنا سعة فأقبل بما عنده فأقطعه أرضا فاتفق أن دخل شعيب على فرعون وأيوب عليه السلام عنده فقال:
أما تخاف أن يغضب الله تعالى غضبه فيغضب لغضبه أهل السماوات والأرض والجبال والبحار فسكت أيوب فلما خرجا من عنده أوحى الله تعالى إلى أيوب أوسكتّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه استعد للبلاء قال: فديني قال سبحانه: أسلمه لك قال: لا أبالي، والله تعالى أعلم بصحة هذه الأخبار، ثم إنه عليه السلام لما سجد فقال ذلك قيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك أركض برجلك فركض فنبعت من تحته عين ماء فاغتسل منها فلم يبق في ظاهر بدنه دابة إلا سقطت ولا جراحة إلا برئت ثم ركض مرة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج وعاد صحيحا ورجع إليه شبابه وجماله وذلك قوله تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ ثم كسى حلة وجلس على مكان مشرف ولم تعلم امرأته بذلك فأدركتها الرقة عليه فقالت في نفسها: هب أنه طردني أفأتركه حتى يموت جوعا وتأكله السباع لأرجعن فلما رجعت ما رأت تلك الكناسة ولا تلك الحال فجعلت تطوف حيث الكناسة وتبكي وهابت صاحب الحلة أن تأتيه وتسأله فدعاها أيوب عليه السلام فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أريد ذلك المبتلي الذي كان ملقى على الكناسة قال لها: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي قال: أتعرفينه إذا رأيته؟ قالت: وهل يخفى عليّ فتبسم فقال: أنا ذلك فعرفته بضحكه فاعتنقته
وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ الظاهر أنه عطف على (كشفنا) فيلزم أن يكون داخلا معه في حيز تفصيل استجابة الدعاء، وفيه خفاء لعدم ظهور كون الإتيان المذكور مدعوا به وإذا عطف على (استجبنا) لا يلزم ذلك، وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية،
أخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى: وَآتَيْناهُ إلخ قال: رد الله تعالى امرأته إليه وزاد في شبابها حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا»
فالمعنى على هذا آتيناه في الدنيا مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر، وقال ابن مسعود والحسن وقتادة في الآية: إن الله تعالى أحيى له أولاده الذين هلكوا في بلائه وأوتي مثلهم في الدنيا، والظاهر أن المثل من صلبه عليه السلام أيضا، وقيل: كانوا نوافل وجاء في خبر أنه عليه السلام كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله تعالى سحابتين فأفرغت أحداهما في أندر القمح الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في اندر الشعير الورق حتى فاض،
وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب عليه السلام يحثي في ثوبه فناداه ربه سبحانه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى: قال: بلى وعزتك لكن لا غنى بي عن