وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلخ بيان لما يوجب الفصل المذكور من أعمال الفرق مع الاشارة إلى كيفيته وكونه بطريق التعذيب والإثابة والإكرام والإهانة، وجوز أن يكون تنويرا لكونه تعالى شهيدا على كل شيء، وقيل: هو تقريع على اختلاف الكفرة واستبعاد له لوجوب الصارف، والمراد بالرؤية العلم والخطاب لكل من يتأتى منه ذلك. والمراد بالسجود دخول الأشياء تحت تسخيره تعالى وإرادته سبحانه وقابليتها لما يحدث فيها عزّ وجلّ، وظاهر كلام الآمدي أنه معنى حقيقي للسجود. وفي مفردات الراغب السجود في الأصل التطامن والتذلل وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله تعالى وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد. وذلك ضربان بأن سجود باختيار يكون للإنسان وبه يستحق الثواب وسجود بتسخير يكون للإنسان وغيره من الحيوانات والنباتات. وخص في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما جرى مجراه من سجود التلاوة وسجود الشكر انتهى.
وذكر بعضهم أنه كما خص في الشريعة بذلك خص في عرف اللغة به. وقال ابن كمال: إن حقيقته على ما نص عليه في المجمل وضع الرأس، وقال العلامة الثاني: حقيقته وضع الجبهة لا الرأس حتى لو وضع الرأس من جانب القفا لم يكن ساجدا، وعلى هذين القولين على علاتهما قيل السجود هنا مجاز عن الدخول تحت تسخيره تعالى والانقياد لإرادته سبحانه. وجوز أن يكون مجازا عن دلالة لسان حال الأشياء بذلتها وافتقارها على صانعها وعظمته جلت عظمته، ووجه التنوير على هذا ظاهر وكذا التقريع على الاختلاف. ومَنْ إما خاصة بالعقلاء وإما عامة لهم ولغيرهم بطريق التغليب وهو الأولى لأنه الأنسب بالمقام لإفادته شمول الحكم لكل ما فيهما بطريق القرار فيهما أو بطريق الجزئية منهما، ويكون قوله تعالى:
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ أفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها بحسب الظاهر في بادىء النظر القاصر كما قيل أو لأنها قد عبدت من دون الله تعالى إما باعتبار شخصها أو جنسها.
فالشمس عبدتها حمير والقمر عبدته كنانة وعبد الدبران من النجوم تميم والشعري لخم وقريش، والثريا طيىء، وعطاردا أسد والمرزم ربيعة، وعبد أكثر العرب الأصنام المنحوتة من الجبال. وعبدت غطفان العزى وهي سمرة واحدة السمر شجر معروف، ومن الناس من عبد البقر. وقرأ الزهري وابن وثاب «الدّواب» بتخفيف الباء. وخص ابن جني في المحتسب هذه القراءة بالزهري، وقال: لا أعلم من خففها سواء وهو قليل ضعيف قياسا وسماعا لأن التقاء الساكنين على حده وعذره كراهة التضعيف ولذا قالوا في ظللت ظلت وقالوا جان بالتخفيف وذكر له نظائر كثيرة.