فالمعنى ذلك الاتصاف بكمال القدرة الدال عليه قوله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ إلخ وكمال العلم الدال عليه سَمِيعٌ بَصِيرٌ بسبب أن الله تعالى الواجب لذاته الثابت في نفسه وحده فإن وجوب وجوده ووحدته يستلزمان أن يكون سبحانه هو الموجد لسائر المصنوعات ولا بد في إيجاده لذلك حيث كان على أبدع وجه وأحكمه من كمال العلم على ما بين في موضعه، وقيل: إن وجوب الوجود وحده متكفل بكل كمال حتى الوحدة أو المعنى ذلك الاتصاف بسبب أن الله تعالى الثابت الإلهية وحده ولا يصلح لها إلا من كان كامل القدرة كامل العلم وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلها هُوَ الْباطِلُ أي المعدوم في حد ذاته أو الباطل الإلهية، والحصر يحتمل أن يكون غير مراد وإنما جيء به للمشاكلة ويحتمل أن يكون مرادا على معنى أن جميع ما يدعون من دونه هو الباطل لا بعضه دون بعض.
وقيل هو باعتبار كمال بطلانه وزيادة هو هنا دون ما في سورة لقمان من نظير هذه الآية لأن ما هنا بين عشر آيات كل آية مؤكدة مرة أو مرتين ولهذا أيضا زيدت اللام في قوله تعالى الآتي: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ دون نظيره في تلك السورة، ويمكن أن يقال تقدم في هذه السورة ذكر الشيطان فلهذا ذكرت هذه المؤكدات بخلاف سورة لقمان فإنه لم يتقدم ذكر الشيطان هناك بنحو ما ذكر هاهنا قاله النيسابوري، ويجوز أن يكون زيادة هُوَ في هذا الموضع لأن المعلل فيه أزيد منه في ذلك الموضع فتأمل وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ على جميع الأشياء الْكَبِيرُ عن أن يكون له سبحانه شريك لا شيء أعلى منه تعالى شأنا وأكبر سلطانا.
وقرأ الحسن «وإن ما» بكسر الهمزة، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر «تدعون» بالتاء على خطاب المشركين وقرأ مجاهد واليماني وموسى الأسواري «يدعون» بالياء التحتية مبنيا للمفعول على أن الواو ولما فإنه عبارة عن الآلهة، وأمر التعبير عنها بما ثم إرجاع ضمير العقلاء إليها ظاهر فلا تغفل.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي من جهة العلو ماءً أي ألم تعلم ذلك، وجوز كون الرؤية بصرية نظرا للماء المنزل، والاستفهام للتقرير، وقوله تعالى: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً أي فتصير، وقيل تصبح على حقيقتها والحكم بالنظر إلى بعض الأماكن تمطر السماء فيها ليلا فتصبح الأرض مخضرة، والأول أولى عطف على أَنْزَلَ والفاء مغنية عن الرابط فلا حاجة إلى تقدير بإنزاله، والتعقيب عرفي أو حقيقي وهو إما باعتبار الاستعداد التام للاخضرار أو باعتباره نفسه وهو كما ترى، وجوز أن تكون الفاء لمحض السبب فلا تعقيب فيها، والعدول عن الماضي إلى المضارع لإفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول: أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكرا له ولو قلت:
فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع أو لاستحضار الصورة البديعة ولم ينصب الفعل في جواب الاستفهام هنا في شيء من القراءات فيما نعلم وصرح غير واحد بامتناعه، ففي البحر أنه يمتنع النصب هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وإن كان يقتضي تقريرا في بعض الكلام وهو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى قوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: ١٧٢] وكذلك في الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب فإذا قلت: تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى ما تأتينا محدثا إنما تأتينا ولا تحدث، ويجوز أن يكون المعنى أنك لا تأتينا فكيف تحدثنا فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته همزة الاستفهام وينفي الجواب فيلزم من ذلك هنا إثبات الرؤية وانتقاء الاخضرار وهو خلاف المراد، وأيضا جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام شرط وجزاء ولا يصح أن يقال هنا إن تر إنزال الماء تصبح الأرض مخضرة لأن اخضرارها ليس مترتبا على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال اهـ.
وإلى انعكاس المعنى على تقدير النصب ذهب الزمخشري حيث قال: لو نصب الفعل جوابا للاستفهام لأعطى