تفسير الآية، وأيا ما كان فالظاهر أنه إنما لم تعطف هذه الجملة كما عطف قوله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا [الحج: ٣٤] إلخ لضعف الجامع بنيها وبين ما تقدمها من الآيات بخلاف ذلك. وفي الكشف بيانا لكلام الكشاف في توجيه العطف هناك وتركه هنا أن الجامع هناك قوي مقتض للعطف فإن قوله تعالى: لَكُمْ فِيها أي في الشعائر منافع دينية ودنيوية كوجوب نحرها منتهية إلى البيت العتيق كالإعادة لما في قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ [الحج: ٢٨] إلا أن فيه تخصيصا بالمخاطبين فعطف عليه وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً للذكر لتتم الإعادة والغرض من هذا الأسلوب أن يبين أنه شرع قديم وأنه لم يزل متضمنا لمنافع جليلة في الدارين، وأما فيما نحن فيه فأين حديث النسائك من حديث تعداد الآيات والنعم الدالة على كمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة، ولعمري إن شرعية النسائك لكل أمة وإن كانت من الرحمة والنعمة لكن النظر إلى المجانسة بين النعم وما سيق له الكلام فالحالة مقتضية للقطع، وذكره هاهنا لهذه المناسبة على نحو خفي ضيق اهـ، وهو حسن وظاهره تفسير النسك بالذبح.
وذكر الطيبي أن ما تقدم عطف على قوله تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ [الحج: ٣٢] إلخ وهو من تتمة الكلام مع المؤمنين أي الأمر ذلك والمطلوب تعظيم شعائر الله تعالى وليس هذا مما يختص بكم إذ كل أمة مخصوصة بنسك وعبادة.
وهذه الآية مقدمة نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عما يوجب نزاع القوم تسلية له وتعظيم لأمره حيث جعل أمره منسكا ودينا يعني شأنك وشأن أمثالك من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ترك المنازعة مع الجهال وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى النزاع وملازمة الدعوة إلى التوحيد أو لكل أمة من الأمم الخالية المعاندة جعلنا طريقا وديناهم ناسكوه فلا ينازعنك هؤلاء المجادلة. سمي دأبهم نسكا لا يجابههم ذلك على أنفسهم واستمرارهم عليه تهكما بهم ومسلاة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم مما كان يلقى منهم، وأما اتصاله بما سبق من الآيات فإن تعالى: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ [الحج: ٥٥] يوجب القلع عن إنذار القوم وإلا يأس منهم ومتاركتهم والآيات المتخللة كالتأكيد لمعنى التسلية فجيء بقوله تعالى:
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ تحريضا له عليه الصلاة والسلام على التأسي بالأنبياء السالفة في متاركة القوم والإمساك عن مجادلتهم بعد الإياس من إيمانهم وينصره قوله تعالى: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فالربط على طريقة الاستئناف وهو أقوى من الربط اللفظي، والذي يدور عليه قطب هذه السورة الكريمة الكلام في مجادلة القوم ومعانديهم والنعي عليهم بشدة شكيمتهم ألا ترى كيف افتتحها بقوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ [الحج: ٣] وكررها وجعلها أصلا للمعنى المهتم به وكلما شرع في أمر كر إليه تثبيتا لقلب الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومسلاة لصدره الشريف عليه الصلاة والسلام فلا يقال: إن هذه الآية واقعة مع أباعد عن معناها انتهى، ولعمري إنه أبعد عن ربوع التحقيق وفسر الآية الكريمة بما لا يليق. وقد تعقب الكشف اتصاله بما ذكر بأنه لا وجه له فقد تخلل ما لا يصلح لتأكيد معنى التسلية المذكورة أعني قوله تعالى: وَمَنْ عاقَبَ الآيات لا سيما على ما آثره من جعلها في المقاتلين في الشهر الحرام ولو سلم فلا مدخل للاستئناف وهو تمهيد لما بعده أعني قوله تعالى: فَلا يُنازِعُنَّكَ إلخ، وأما قوله والذي يدور عليه إلخ فهو مسلم وهو عليه لإله فتأمل والله تعالى الموفق للصواب.
وَادْعُ أي وادع هؤلاء المنازعين أو الناس كافة على أنهم داخلون فيهم دخولا أوليا إِلى رَبِّكَ إلى توحيده وعبادته حسبما بين في منسكهم وشريعتهم إِنَّكَ لَعَلى هُدىً أي طريق موصل إلى الحق ففيه استعارة