محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة معطوفة على شرطية أخرى محذوفة ثقة بدلالة هذه عليها أي لو لم يجتمعوا له ويتعاونوا عليه لن يخلقوه ولو اجتمعوا له وتعاونوا عليه لن يخلقوا وهما في موضع الحال كأنه قيل: لن يخلقوا ذبابا على كل حال.
وقال بعضهم: الواو للحال وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ بجوابه حال، وقال آخرون: إن لَوِ هنا لا تحتاج إلى جواب لأنها انسلخت عن معنى الشرطية وتمحضت للدلالة على الفرض والتقدير، والمعنى لن يخلقوا ذبابا مفروضا اجتماعهم وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً بيان لعجزه عن أمر آخر دون الخلق أي وإن يأخذ الذباب منها شيئا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ أي لا يقدروا على استنقاذه منه مع غاية ضعفه.
والظاهر أن استنقذ بمعنى نقذ، وفي الآية من تجهيلهم في إشراكهم بالله تعالى القادر على جميع الممكنات المتفرد بإيجاد كافة الموجودات عجز لا تقدر على خلق أقل الأحياء وأذلها ولو اجتمعوا له ولا على استنقاذ ما يختطفه منهم ما لا يخفى، والآية وإن كانت نازلة في الأصنام فقد كانوا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يطلونها بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها فيدخل الذباب من الكوى فيأكله، وقيل: كانوا يضمخونها بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك إلا أن الحكم عام لسائر المعبودات الباطلة.
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ تذييل لما قبل أخبار أو تعجب والطالب عابد غير الله تعالى والمطلوب الآلهة كما روي عن السدي والضحاك وكون عابد ذلك طالبا لدعائه إياه واعتقاده نفعه، وضعفه لطلبه النفع من غير جهته، وكون الآخر مطلوبا ظاهرا كضعفه، وقيل الطالب الذباب يطلب ما يسلبه عن الآلهة والمطلوب الآلهة على معنى المطلوب منه ما يسلب.
وروى ابن مردويه وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واختاره الزمخشري أن الطالب الأصنام والمطلوب الذباب، وفي هذا التذييل حينئذ إيهام التسوية وتحقيق أن الطالب أضعف لأنه قدم عليه أن هذا الخلق الأقل هو السالب وذلك طالب خاب عن طلبته ولما جعل السلب المسلوب لهم وأجراهم مجرى العقلاء أثبت لهم طلبا ولما بين أنهم أضعف من أذل الحيوانات نبه به على مكان التهكم بذلك، ومن الناس من اختار الأول لأنه أنسب بالسياق إذ هو لتجهيلهم وتحقير آلهتهم فناسب إرادتهم وآلهتهم من هذا التذييل.
ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ قال الحسن والفراء: أي ما عظموه سبحانه حق تعظيمه فإن تعظيمه تعالى حق تعظيمه أن يوصف بما وصف به نفسه ويعبد كما أمر أن يعبد وهؤلاء لم يفعلوا ذلك فإنهم عبدوا من دونه من لا يصلح للعبادة أصلا وفي ذلك وصفه سبحانه بما نزه عنه سبحانه من ثبوت شريك له عز وجل.
وقال الأخفش: أي ما عرفوه حق معرفته فإن معرفته تعالى حق معرفته التصديق به سبحانه موصوفا بما وصف به نفسه وهؤلاء لم يصدقوا به كذلك لشركهم به وعبادتهم من دونه من سمعت حاله، وقيل: حق المعرفة أن يعرف سبحانه بكنهه وهذا هو المراد في قوله عليه الصلاة والسلام «سبحانك ما عرفناك حق معرفتك» .
وأنت تعلم أن الظاهر أن قوله تعالى: ما قَدَرُوا إلخ أخبار عن المشركين وذم لهم ومتى كان المراد منه نفي المعرفة بالكنه كان الأمر مشتركا بينهم وبين الموحدين فإن المعرفة بالكنه لم تقع لأحد من الموحدين أيضا عند