السلام فغلبوا على جميع أهل ملته صلّى الله عليه وسلّم هُوَ أي الله تعالى كما روي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وسفيان، ويدل عليه ما سيأتي بعد في الآية وقراءة أبي رضي الله تعالى عنه اللَّهِ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل نزول القرآن وذلك في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل وَفِي هذا أي في القرآن، والجملة مستأنفة، وقيل إنها كالبدل من قوله تعالى: هُوَ اجْتَباكُمْ ولذا لم تعطف، وعن ابن زيد والحسن أن الضمير لإبراهيم عليه السلام واستظهره أبو حيان للقرب وتسميته إياهم بذلك من قبل في قوله: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨] وقوله هذا سبب لتسميتهم بذلك في هذا لدخول أكثرهم في الذرية فجعل مسميا لهم فيه مجازا، ويلزم عليه الجمع بين الحقيقة والمجاز وفي جوازه خلاف مشهور، وقال أبو البقاء: المعنى على هذا وفي هذا بيان تسميته إياكم بهذا الاسم حيث حكى في القرآن مقالته، وقال ابن عطية: يقدر عليه وسميتكم في هذا المسلمين، ولا يخفى ما في كل ذلك من التكلف.
واستدل بالآية من قال: إن التسمية بالمسلمين مخصوص بهذه الأمة وفيه نظر. لِيَكُونَ الرَّسُولُ يوم القيامة شَهِيداً عَلَيْكُمْ إنه قد بلغكم، ويدل على هذا القول منه تعالى على قبول شهادته عليه الصلاة والسلام لنفسه اعتمادا على عصمته ولعل هذا من خواصه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك اليوم وإلا فالمعصوم يطالب في الدنيا بشاهدين إذا ادعى شيئا لنفسه كما يدل على ذلك قصة الفرس وشهادة خزيمة رضي الله تعالى عنه، وأيضا لو كان كل معصوم تقبل شهادته لنفسه في ذلك لما احتيج إلى شهادة هذه الأمة على الأمم حين يشهد عليهم أنبياؤهم فينكرون كما ذكر ذلك كثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ورد أنه يؤتى بالأمم وأنبيائهم فيقال لأنبياءهم: هل بلغتم أممكم؟ فيقولون: نعم بلغناهم فينكرون فيؤتى بهذه الأمة فيشهدون أنهم قد بلغوا فتقول الأمم لهم: من أين عرفتم؟ فيقولون: عرفنا ذلك بأخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق أو شهيدا عليكم بإطاعة من أطاع وعصيان من عصى، ولعل علمه صلّى الله عليه وسلّم بذلك بتعريف الله تعالى بعلامات تظهر له في ذلك الوقت تسوغ له عليه الصلاة والسلام الشهادة، وكون أعمال أمته تعرض عليه عليه الصلاة والسلام وهو في البرزخ كل أسبوع أو أكثر أو أقل إذا صح لا يفيد العلم بأعيان ذوي الأعمال المشهود عليهم وإلا أشكل ما
رواه أحمد في مسنده والشيخان عن أنس، وحذيفة قالا:«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول: يا رب أصيحابي أصيحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»
وربما أشكل هذا على تقدير صحة حديث العرض سواء أفاد العلم بالأعيان أم لا، وإذا التزم صحة ذلك الحديث وأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يستحضر أعمال أولئك الأقوام حين عرفهم فقال ما قال وأن المراد من- إنك لا تدري- إلخ مجرد تعظيم أمر ما أحدثوه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لا نفي العلم به يبقى من مات من أمته طائعا أو عاصيا في زمان حياته صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن علم بحاله أصلا كمن آمن ومات ولم يسمع صلّى الله عليه وسلّم به فإن عرض الأعمال في حقه لم يجىء في خبر أصلا، والقول بعدم وجود شخص كذلك بعيد، ومن زعم أنه صلّى الله عليه وسلّم يعلم أعمال أمته ويعرفهم واحدا حيا وميتا ولذا ساغت شهادته عليهم بالطاعة والمعصية يوم القيامة لم يأت بدليل، والآية لا تصلح دليلا له إلا بهذا التفسير وهو خل البحث، على أن في حديث الإفك ما يدل على خلافه.
وزعم بعضهم أن معرفته صلّى الله عليه وسلّم للطائع والعاصي من أمته لما أنه يحضر سؤالهم في القبر عنه عليه الصلاة والسلام كما يؤذن بذلك ما ورد أنه يقال للمقبور: ما تقول في هذا الذي بعث إليكم؟ واسم الإشارة يستدعي مشارا إليه محسوسا مشاهدا وهو كما ترى، واختار بعض أن الشهادة بذلك على بعض الأمة وهم الذين كانوا موجودين في وقته صلّى الله عليه وسلّم وعلم حالهم من طاعة وعصيان، والخطاب في عَلَيْكُمْ إما خاص بهم أو عام على سبيل التغليب وفيه ما فيه