للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم

والمعنى تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهن يدهن به ويسرج منه وكونه إداما يصبغ فيه الخبز أي يغمس للائتدام قال في المغرب يقال: صبغ الثوب بصبغ حسن وصباغ ومنه الصبغ والصباغ من الإدام لأن الخبز يغمس فيه ويلون به كالخل والزيت، وظاهر هذا اختصاصه بكل إدام مائع وبه صرح في المصباح. وصرح بعضهم بأن إطلاق الصبغ على ذلك مجاز، ولعل في كلام المغرب نوع إشارة إليه وروي عن مقاتل أنه قال: الدهن الزيت والصبغ الزيتون وعلى هذا يكون العطف من عطف المتغايرين ذاتا وهو الأكثر في العطف، ولا بد أن يقال عليه: إن الصبغ الإدام مطلقا وهو ما يؤكل تبعا للخبز في الغالب مائعا كان أم جامدا والزيتون أكثر ما يأكله الفقراء في بلادنا تبعا للخبز والأغنياء يأكلونه تبعا لنحو الأرز وقلما يأكلونه تبعا للخبز، وأنا مشغوف به مذ أنا يافع فكثيرا ما آكله تبعا واستقلالا، وأما الزيت فلم أر في أهل بغداد من اصطبغ منه وشذ من أكل منهم طعاما وهو فيه وأكثرهم يعجب ممن يأكله ومنشأ ذلك قلة وجوده عندهم وعدم الفهم له فتعافه نفوسهم، وقد كنت قديما تعافه نفسي وتدريجا ألفته والحمد لله تعالى، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكله.

وصح أنه صلّى الله عليه وسلّم طبخ له لسان شاة بزيت فأكل منه

،

وأخرج أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلوا الزيت وادهنوا به فإنه شفاء من سبعين داء منها الجذام»

وأخرج الترمذي في الأطعمة عن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعا «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة»

لكن قال بعضهم: هذا الأمر لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه وهو كذلك فلا اعتراض على من لم يوافق مزاجه في عدم استعماله بل الظاهر حرمة استعماله عليه إن أضر به كما قالوا بحرمة استعمال الصفراوي للعسل ولا فرق في ذلك بين الأكل والادهان فإن الأدهان به قد يضر كالأكل، قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لأهلها وأما في البلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس بالزيت فيها فيه خطر على البصر انتهى.

وقرأ عامر بن عبد الله «وصباغا» وهو بمعنى صبغ كما مرت إليه الإشارة ومنه دبغ ودباغ ونصبه بالعطف على موضع بِالدُّهْنِ وفي تفسير ابن عطية وقرأ عامر بن عبد قيس ومتاعا للآكلين وهو محمول على التفسير.

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً بيان للنعم الواصلة إليهم من جهة الحيوان إثر بيان النعم الفائضة من جهة الماء والنبات وقد بين أنها مع كونها في نفسها نعمة ينتفعون بها على وجوه شتى عبرة لا بد من أن يعتبروا بها ويستدلوا بأحوالها على عظم قدرة الله عز وجل وسابغ رحمته ويشكروه ولا يكفروه، وخص هذا بالحيوان لما أن محل العبرة فيه أظهر.

وقوله تعالى: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها تفصيل لما فيها من مواقع العبر. وما في بطونها عبارة إما عن الألبان فمن تبعيضية والمراد بالبطون الأجواف فإن اللبن في الضروع أو عن العلف الذي يتكون منه اللبن فمن ابتدائية والبطون على حقيقتها. وأيا ما كان فضمير بُطُونِها للأنعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل لا للإناث منها على استخدام لأن عموم ما بعده يأباه، وقرىء بفتح النون وبالتاء أي تسقيكم الأنعام.

وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ غير ما ذكر من أصوافها وأشعارها وأوبارها وَمِنْها تَأْكُلُونَ الظاهر أن الأكل على معناه الحقيقي ومن تبعيضية لأن من أجزاء الأنعام ما لا يؤكل، وتقديم المعمول للفاصلة أو للحصر الإضافي بالنسبة إلى الحمير ونحوها أو الحصر باعتبار ما في تَأْكُلُونَ من الدلالة على العادة المستمرة، وكان هذا بيان لانتفاعهم بأعيانها وما قبله بيان لانتفاعهم بمرافقها وما يحصل منها ويجوز عندي ولم أر من صرح به أن يكون الأكل مجازا أو كناية عن التعيش مطلقا كما سمعت قبل أي ومنها ترزقون وتحصلون معايشكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>