معاداته، والتفضل طلب الفضل وهو كناية عن السيادة كأنه قيل: يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعائه الرسالة مع كونه مثلكم، وقيل: صيغة التفعل مستعارة للكمال فإنه ما يتكلف له يكون على أكمل وجه فكأنه قيل: يريد كمال الفضل عليكم وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد بعد تحقيق بشريته عليه السلام أي ولو شاء الله تعالى إرسال الرسول لأرسل رسلا من الملائكة، وإنما قيل لَأَنْزَلَ لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال فمفعول المشيئة مطلق الإرسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمونه كما في قوله تعالى:
وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ [النحل: ٩] ولا بأس في ذلك، وأما القول بأن مفعول المشيئة إنما يحذف إذا لم يكن أمرا غريبا وكان مضمون الجزاء فهو ضابطة للحذف المطرد فيه لا مطلقا فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن، وعلى هذا يجوز أن يقال: التقدير ولو شاء الله تعالى عبادته وحده لأنزل ملائكة يبلغوننا ذلك عنه عز وجل وكان هذا منهم طعن في قوله عليه السلام لهم اعْبُدُوا اللَّهَ وكذا قوله تعالى: ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ بل هو طعن فيما ذكر على التقدير الأول أيضا وذلك بناء على أن هذا إشارة إلى الكلام المتضمن الأمر بعبادة الله عز وجل خاصة والكلام على تقدير مضاف أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام في آبائنا الماضين قبل بعثته عليه السلام، وقدر المضاف لأن عدم السماع بكلام نوح المذكور لا يصلح للرد فإن السماع بمثله كاف للقبول، وقيل: الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات فلا حاجة إلى تقدير المضاف وهو كلام وجيه ثم إن قولهم هذا إما لكونهم وآبائهم في فترة وإما لفرط غلوهم في التكذيب والعناد وانهماكهم في الغي والفساد، وأيا ما كان ينبغي أن يكون هو الصادر عنهم في مبادي دعوته عليه السلام كما ينبىء عنه الفاء الظاهرة في التعقيب في قوله تعالى: فَقالَ الْمَلَأُ إلخ.
وقيل: هذا إشارة إلى نوح عليه السلام على معنى ما سمعنا بخبر نبوته، وقيل: إلى اسمه وهو لفظ نوح والمعنى لو كان نبيا لكان له ذكر في آبائنا الأولين، وعلى هذين القولين يكون قولهم المذكور من متأخري قومه المولودين بعد بعثته بمدة طويلة فيكون المراد من آبائهم الأولين من مضى قبلهم في زمنه عليه الصلاة والسلام، وصدور ذلك عنهم في أواخر أمره عليه السلام وقيل: بعد مضي آبائهم ولا يلزم أن يكون في الأواخر، وعليهما أيضا يكون قولهم: إِنْ هُوَ أي ما هو إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون أو جن يخبلونه ولذلك يقول ما يقول فَتَرَبَّصُوا بِهِ فاحتملوه واصبروا عليه وانتظروا حَتَّى حِينٍ لعله يفيق مما هو فيه محمولا على ترامي أحوالهم في المكابرة والعناد وإضرابهم عما وصفوه عليه السلام به من البشرية وإرادة التفضل إلى وصفه بما ترى وهم يعرفون أنه عليه السلام أرجح الناس عقلا وأرزنهم قولا، وهو على ما تقدم محمول على تناقض مقالاتهم الفاسدة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون قالَ استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال عليه السلام بعد ما سمع منهم هذه الأباطيل؟ فقيل: قال لما رآهم قد أصروا على ما هم فيه وتمادوا على الضلال حتى يئس من إيمانهم بالكلية وقد أوحي إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: ٣٦] رَبِّ انْصُرْنِي بإهلاكهم بالمرة بناء على أنه حكاية إجمالية لقوله عليه السلام رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] إلخ، والباء في قوله تعالى: بِما كَذَّبُونِ للسببية أو للبدل وما مصدرية أي بسبب تكذيبهم إياي أو بدل تكذيبهم، وجوز أن تكون الباء آلية وما موصولة أي انصرني بالذي كذبوني به وهو العذاب الذي وعدتهم إياه ضمن قولي: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف: ٥٩، الشعراء:
١٣٥، الأحقاف: ٢١] وحاصله انصرني بإنجاز ذلك، ولا يخفى ما في حذف مثل هذا العائد من الكلام، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن «رب» بضم الباء ولا يخفى وجهه فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ عقيب ذلك، وقيل: بسبب ذلك أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ أَنِ مفسرة لما في الوحي من معنى القول بِأَعْيُنِنا ملتبسا بمزيد حفظنا ورعايتنا لك من التعدي أو من