الجملة خبر أن الأولى، قال في البحر: وهذا تخريج سهل لا تكلف فيه ونسبه السخاوي في سفر السعادة إلى المبرد، والذي يقتضيه جزالة النظم الكريم ما ذكرناه عن الفراء ومن معه، وفي قراءة عبد الله «أيعدكم إذا متم» بإسقاط أَنَّكُمْ الأولى هَيْهاتَ اسم لبعد وهو في الأصل اسم صوت وفاعله مستتر فيه يرجع للتصديق أو الصحة أو الوقوع أو نحو ذلك مما يفهمه السياق فكأنه قيل بعد التصديق أو الصحة أو الوقوع، وقوله تعالى: هَيْهاتَ تكرير لتأكيد البعد، والغالب في هذه الكلمة مجيئها مكررة وجاءت غير مكررة في قول جرير:
وهيهات خل بالعقيق نواصله وقوله سبحانه: لِما تُوعَدُونَ بيان لمرجع ذلك الضمير فاللام متعلقة بمقدر كما في سقيا له أي التصديق أو الوقوع المتصف بالبعد كائن لما توعدون، ولا ينبغي أن يقال: إنه متعلق بالضمير الراجع إلى المصدر كما في قوله:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
فإن إعمال ضمير المصدر وإن ذهب إليه الكوفيون نادر جدا لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى، وقيل: لم يثبت والبيت قابل للتأويل وهذا كله مع كون الضمير بارزا فما ظنك إذا كان مستترا، والقول بأن الفاعل محذوف وليس بضمير مستتر وهو مصدر كالوقوع والتصديق والجار متعلق به مما لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا لا سيما إذا كان ذلك المصدر المحذوف معرفا كما لا يخفى، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير البعد واللام للبيان كأنه قيل، فعل البعد ووقع ثم قيل لماذا؟ فقيل: لما توعدون، وقيل: فاعل هَيْهاتَ ما توعدون واللام سيف خطيب، وأيد بقراءة ابن أبي عبلة «هيهات هيهات ما توعدون» بغير لام ورد بأنها لم تعهد زيادتها في الفاعل، وقيل: هيهات بمعنى البعد وهو مبتدأ مبني اعتبارا لأصله خبره لِما تُوعَدُونَ أي البعد كائن لما توعدون ونسب هذا التفسير للزجاج.
وتعقبه في البحر بأنه ينبغي أن يكون تفسير معنى لا تفسير إعراب لأنه لم تثبت مصدرية هَيْهاتَ وقرأ هارون عن أبي عمرو «هيهاتا هيهاتا» بفتحهما منونتين للتنكير كما في سائر أسماء الأفعال إذا نونت فهو اسم فعل نكرة، وقيل:
هو على هذه القراءة اسم متمكن منصوب على المصدرية، وقرأ أبو حيوة والأحمر بالضم والتنوين، قال صاحب اللوامح: يحتمل على هذا أن تكون هَيْهاتَ اسما متمكنا مرتفعا بالابتداء ولِما تُوعَدُونَ خبره والتكرار للتأكيد، ويحتمل أن يكون اسما للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة اهـ، وقيل: هو اسم متمكن مرفوع على الفاعلية أي وقع بعد، وعن سيبويه أنها جمع كبيضات، وأخذ بعضهم منه تساوي مفرديهما في الرنة فقال مفردها هيهة كبيضة. وفي رواية عن أبي حيوة أنه ضمها من غير تنوين تشبيها لهما بقبل وبعد ذلك. وقرأ أبو جعفر وشيبة بالكسر فيهما من غير تنوين. وروي هذا عن عيسى وهو لغة في تميم وأسد وعنه أيضا وعن خالد بن الياس أنهما قرآ بكسرهما والتنوين.
وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو والأعرج وعيسى أيضا بالإسكان فيهما، فمنهم من يبقي التاء ويقف عليها كما في مسلمات، ومنهم من يبدلها هاء تشبيها بتاء التأنيث ويقف على الهاء، وقيل: الوقف على الهاء لاتباع الرسم، والذي يفهم من مجمع البيان أن هَيْهاتَ بالفتح تكتب بالهاء كأرطاة وأصلها هيهية كزلزلة قلبت الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكذا هيهات بالرفع والتنوين، وهي على هذا اسم معرب مفرد، ومتى اعتبرت جمعا كتبت بالتاء وذلك إذا كانت مكسورة منونة أو غير منونة ونقل ذلك عن ابن جني.
وقرأ «أيهاه» بإبدال الهزة من الهاء الأولى والوقف بالسكون على الهاء، والذي أميل إليه أن جميع هذه القراءات لغات والمعنى واحد، وفي هذه الكلمة ما يزيد على أربعين لغة وقد ذكر ذلك في التكميل لشرح التسهيل وغيره إِنْ