فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا متعلق بقوله سبحانه: قُولُوا آمَنَّا إلخ، أو بقوله عز شأنه: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ إلخ، وإن- لمجرد الفرض والكلام من باب الاستدراج، وإرخاء العنان مع الخصم حيث يراد تبكيته، وهو مما تتراكض فيه خيول المناظرين- فلا بأس بحمل كلام الله تعالى عليه- يعني نحن لا نقول: إننا على الحق وأنتم على الباطل، ولكن إن حصلتم شيئا مساويا لما نحن عليه مما يجب الإيمان أو التدين به فقد اهتديتم ومقصودنا هدايتكم كيفما كانت، والخصم إذا نظر بعين الإنصاف في هذا الكلام وتفكر فيه علم أن الحق ما عليه المسلمون لا غير، إذ لا مثل لما آمنوا به، وهو ذاته تعالى وكتبه المنزلة على أنبيائه- ولا دين كدينهم- ف آمَنُوا متعدية- بالباء- ومثل- على ظاهرها، وقيل: آمَنُوا جار مجرى اللازم- والباء- إما للاستعانة والآلة والمعنى إن دخلوا في الإيمان بواسطة شهادة مثل شهادتكم قولا واعتقادا فَقَدِ اهْتَدَوْا أو فإن تحروا- الإيمان- بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم، فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدد الطرق، كما قيل: الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، والمقام مقام تعيين الدين الحق لا مقام تعيين شخص الطريق الموصل إليه ليأتي هذا التوجيه، وإما زائدة للتأكيد وما مصدرية وضمير بِهِ لله، أو لقوله سبحانه: آمَنَّا بِاللَّهِ إلخ بتأويل المذكور، أو للقرآن، أو لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، والمعنى فَإِنْ آمَنُوا بما ذكر مثل إيمانكم به، وإما للملابسة، أي فآمنوا متلبسين بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ متلبسين به، أو فإن آمنوا إيمانا متلبسا بمثل ما آمنتم إيمانا متلبسا به من الإذعان والإخلاص وعدم التفريق بين الأنبياء عليهم السلام، وقيل: المثل مقحم كما في قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [الأحقاف: ١٠] أي عليه، ويشهد له قراءة أبي «بالذي آمنتم به» وقراءة ابن عباس «بما آمنتم به» وكان رضي الله تعالى عنه يقول: اقرؤوا ذلك فليس لله تعالى مثل، ولعل ذلك محمول على التفسير لا على أنه أنكر القراءة المتواترة- وخفي عليه معناها- ومن الناس من قال: يمكن الاستغناء عن جميع ذلك بأن يقال: فإن آمن اليهود بمثل ما آمنتم كمؤمنيهم قبل التحريف، فإنهم آمنوا بمثل ما آمن المؤمنون. فإن فيما أوتي به النبيون في زمن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما أنزل إليه- ولم يكن ذلك قبله- إلا أن هذا التوجيه يقتضي إبقاء صيغة الماضي على معناها كما في قولهم: إن أكرمتني فقد أكرمتك، فتأمل انتهى.
وأنت تعلم أن المؤمن به لا يتصور فيه التعدد وإبقاء الكلام على ظاهره، والاستغناء عن جميع ما ذكر يستدعي وجود ذلك التعدد المحال، فماذا عسى ينفع هذا سوى تكثير القيل والقال، وتوسيع دائرة النزاع والجدال، فتدبر.
وَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن الإيمان المأمور به، أو عن قولكم في جواب قولهم.
فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ أي مخالفة لله تعالى- قاله ابن عباس- أو منازعة ومحاربة- قاله ابن زيد- أو عداوة- قاله الحسن- واختلف في اشتقاق- الشقاق- فقيل: من الشق أي الجانب، وقيل: من المشقة، وقيل: مأخوذ من قولهم: شق العصا إذا أظهر العداوة- والتنوين للتفخيم- والجملة جواب الشرط إما على أن المراد مشاقتهم الحادثة بعد توليهم عن الإيمان، وأوثرت الاسمية للدلالة على ثباتهم واستقرارهم على ذلك، وإما بتأويل فاعلموا.
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم وتفريح للمؤمنين بوعد النصر والغلبة وضمان التأييد والإعزاز على أبلغ وجه للسين الدالة على تحقق الوقوع البتة، أو للتذييل الآتي حيث إن السين في المشهور لا تدل على أكثر من التنفيس عقب ذكر ما يؤدي إلى الجدال والقتال، والمراد سيكفيك كيدهم وشقاقهم لأن الكفاية لا تتعلق