ثابت عليك بدليل ما ثبت عن كبار الصحابة من عمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم،
وقوله صلّى الله عليه وسلّم:«إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه»
فإنه في نحو الحد فما سواه داخل في الضرب، ثم خص منه الفرج بدليل الإجماع، وعن محمد في التعزيز ضرب الظهر وفي الحدود ضرب الأعضاء، ثم هذا الضرب يكون للرجل قائما غير ممدود وللمرأة قاعدة وجاء ذلك عن عليّ كرم الله تعالى وجهه، وكأن وجهه أن مبني الحد على التشهير زجرا للعامة عن مثله والقيام أبلغ فيه، والمرأة مبني أمرها على الستر فيكتفى بتشهير الحد فقط من غير زيادة، وإن امتنع الرجل ولم يقف أو لم يصبر فلا بأس بربطه على أسطوانة أو إمساك أحد له، والمراد من العدد المفروض في جلد كل واحد منهما أعني مائة جلدة ما يقال له مائة جلدة بوجه من الوجوه وإن لم تتعين الأولى والثانية والثالثة وهكذا إلى تمام المائة فلو ضربه مائة رجل بمائة سوط دفعة واحدة كفى في الحد بل قالوا: جاز أن تجمع الأسواط فيضرب مرة واحدة بحيث يصيبه كل واحد منها
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه ضرب في حد بسوط له طرفان أربعين ضربة فحسب كل ضربة بضربتين
، وقدمت الزانية على الزاني مع أن العادة تقديم الزاني عليها لأنها هي الأصل إذ الباعثة فيها أقوى ولولا تمكينها لم يزن، واشتقاقهما من الزنا وهو مقصور في اللغة الفصحى وهي لغة أهل الحجاز وقد يمد في لغة أهل نجد وعليها قال الفرزدق.
أبا طاهر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
والزنا في عرف اللغة والشرع على ما قيل وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهة الملك، وفيه أنه يرد عليه زنى المرأة فإنه زنى ولا يصدق عليه التعريف، وما قيل في الجواب عنه: إنه فعل الوطء أمر مشترك بين الرجل والمرأة فإذا وجد بينهما يتصف كل منهما به وتسمى هي واطئة ولذا سماها سبحانه وتعالى زانية لا يخفى ما فيه مع أن في التعريف ما لا يصلحه هذا الجواب لو كان صحيحا، والحق أن زناها لغة تمكينها من زنى الرجل بها وأنه إذا أريد تعريف الزنا المراد في الآية بحيث يشمل زناها فلا بد من زيادة التمكين بالنسبة إليها بل زيادته بالنسبة إلى كل منهما وأن يقال: هو إدخال المكلف الطائع قدر حشفته قبل مشتهاة حالا أو ماضيا بلا ملك أو شبهة أو تمكينه من ذلك أو تمكينها في دار الإسلام ليصدق على ما لو كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين، ويعلم من هذا التعريف أنه لا حد على الصبي والمجنون ومن أكرهه السلطان، ولا على من أولج في دبر أو في فرج صغير غير مشتهاة أو ميتة أو بهيمة بخلاف من أولج في فرج عجوز، ولا على من زنى في دار الحرب، ولا على من زنى مع شبهة، وفي بعض ما ذكر كلام يطلب من كتب الفقه، والحكم عام فيمن زنى وهو محصن وفي غيره لكن نسخ في حق المحصن قطعا فإن الحكم في حقه الرجم، ويكفينا في تعيين الناسخ القطع بأمره صلّى الله عليه وسلّم بالرجم وفعله في زمانه عليه الصلاة والسلام مرات فيكون من نسخ الكتاب بالسنة القطعية.
وقد أجمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن تقدم من السلف وعلماء الأمة وأئمة المسلمين على أن المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت، وإنكار الخوارج ذلك باطل لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فجهل مركب، وإن أنكروا وقوعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس ما نحن فيه لأن ثبوت الرجم منه عليه الصلاة والسلام متواتر المعنى كشجاعة عليّ كرم الله تعالى وجهه وجود حاتم، والآحاد في تفاصيل صوره وخصوصياته وهم كسائر المسلمين يوجبون العمل بالمتواتر معنى كالمتواتر لفظا إلا أن انحرافهم عن الصحابة والمسلمين وترك التردد إلى علماء المسلمين والرواة أوقعهم في جهالات كثيرة لخفاء السمع عنهم والشهرة، ولذا حين عابوا على عمر بن عبد العزيز في القول بالرجم من كونه ليس في كتاب الله تعالى