الإشارة جائز في خطاب الجماعة كقوله تعالى: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ [البقرة: ٥٢] على أن التحقيق أن الَّذِينَ يَرْمُونَ منصوب بفعل محذوف أي اجلدوا الذين إلخ فهو أيضا جملة فعلية إنشائية مخاطب بها الأئمة فالمانع المذكور قائم هنا زيادة العدول عن الأقرب إلى الأبعد ولو سلم أن الَّذِينَ مبتدأ فلا بد في الإنشائية الواقعة موقع الخبر من تأويل وصرف عن الإنشائية عند الأكثر وحينئذ يصح عطف أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ عليه، وقال الزمخشري: معنى أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ فسقوهم والإنصاف يحكم بعدم ظهور دخول الجملة الأخيرة في حيز الجزاء وجميع ما ذكروه إنما يفيد الصحة لا الظهور.
ولعل الظاهر أنها استئناف تذييلي لبيان سوء حال الرامين في حكم الله تعالى وحينئذ عود الاستئناف إليه ظاهر، لا يقال، إن ذلك ينفي الفائدة لأنه معلوم شرعا أن التوبة تزيل الفسق من غير هذه الآية لأنا نقول: لا شبهة في أن العلم بذلك من طريق السمع وقد ذكر الدال عليه منه وكون آية أخرى تفيده لا يضر للقطع بأن طريق القرآن تكرار الدوال خصوصا إذا كان التأكيد مطلوبا، هذا وإلى ما ذهب إليه أبو حنيفة من عدم قبول شهادة المحدود في القذف إذا تاب ذهب الحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وقد روى ذلك عن كل الجلال السيوطي في الدر المنثور وإلى ما ذهب إليه الشافعي من قبول شهادته ذهب مالك وأحمد، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري ومحارب وشريح ومعاوية بن قرة وعكرمة وسعيد بن جبير على ما ذكره الطيبي وعد ابن جبير من القائلين كقول الشافعي يخالفه ما سمعت آنفا، وعد ابن الهمام شريحا ممن قال كقول أبي حنيفة وعن ابن عباس روايتان، وفي صحيح البخاري جلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة ثم استتابهم، وقال من تاب قبلت شهادته، ومن تتبع تحقق أن أكثر الفقهاء قائلون كقول الشافعي عليه الرحمة ودعوى إجماع فقهاء التابعين عليه غير صحيحة كما لا يخفى والله تعالى أعلم، ووجه التعليل المستفاد من قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ على القولين ظاهر لكن قيل إنه على قول أبي حنيفة أظهر وهو تعليل لما يفيده الاستثناء ولا محل من الإعراب، وجوز أبو البقاء كون الَّذِينَ مبتدأ وهذه الجملة خبره والرابط محذوف أي لهم.
واختار الجمهور الاستئناف والاستثناء وهو على ما ذهب إليه أصحابنا منقطع، وبينه أبو زيد الدبوسي في التقويم بما حاصله أن المستثنى وإن دخل في الصدر لكن لم يقصد إخراجه من حكمه على ما هو معنى الاستثناء المتصل بل قصد إثبات حكم آخر له وهو أن التائب لا يبقى فاسقا، وتعقبه العلامة الثاني بأنه إنما يتم إذا لم يكن معنى هُمُ الْفاسِقُونَ الثبات والدوام وإلا فلا تعذر للاتصال فلا وجه للانقطاع، وبينه فخر الإسلام بأن المستثنى غير داخل في صدر الكلام لأن التائب ليس بفاسق ضرورة إنه عبارة عمن قام به الفسق والتائب ليس كذلك لزوال الفسق بالتوبة، وهذا مبني على أنه يشترط في حقيقة اسم الفاعل بقاء معنى الفعل، وأما إذا لم يشترط ذلك فيتحقق التناول لكن لا يصح الإخراج لأن التائب ليس بمخرج ممن كان فاسقا في الزمان الماضي.
واعترض بأن المستثنى منه على تقدير اتصال الاستثناء ليس هو الفاسقين بل الذين حكم عليهم بذلك وهم الذين يرمون المشار إليه بقوله تعالى: وَأُولئِكَ ولا شك أن التائبين داخلون فيهم مخرجون عن حكمهم وهو الفسق كأنه قيل جميع القاذفين فاسقون إلا التائبين منهم كما يقال القوم منطلقون إلا زيدا استثناء متصلا بناء على أن زيدا داخل في القوم مخرج عن حكم الانطلاق فيصح الاستثناء المتصل سواء جعل المستثنى منه بحسب اللفظ هو القوم أو الضمير المستتر في منطلقون بناء على أنه أقرب وأن عمل الصفة في المستثنى أظهر، وليس المراد أن المستثنى منه لفظا هو لفظ القوم البتة وإذا جعل المستثنى منه ضمير منطلقون فمعنى الكلام إن زيدا داخل في الذوات المحكوم