للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رماها به من الزنا، والأصل على أنه إلخ فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنها باللام للتأكيد، ولا يختص التعليق بأفعال القلوب بل يكون فيما يجري مجراها ومنه الشهادة لإفادتها العلم، وجوز أن تكون الجملة جوابا للقسم بناء على أن الشهادة هنا بمعنى القسم حتى قال الراغب. إنه يفهم منها ذلك وإن لم يذكر بِاللَّهِ وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك وَالْخامِسَةُ أي والشهادة الخامسة للأربع المتقدمة أي الجاعلة لها خمسا بانضمامها إليهن، وإفرادها مع كونها شهادة أيضا لاستقلالها بالفحوى ووكادتها في إفادتها ما يقصده بالشهادة من تحقيق الخبر وإظهار الصدق، وهي مبتدأ خبره قوله تعالى: أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماها به من الزنا وَيَدْرَؤُا أي يدفع عَنْهَا الْعَذابَ أي العذاب الدنيوي وهو الحبس عندنا والحد عند الشافعي، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق الكلام فيه أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ أي الزوج لَمِنَ الْكاذِبِينَ فيما رماها به من الزنا وَالْخامِسَةَ بالنصب عطفا على أَرْبَعَ شَهاداتٍ وقوله تعالى: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ أي الزوج مِنَ الصَّادِقِينَ فيما رماها به من الزنا بتقدير حرف الجر أي بأن غضب إلخ، وجوز أن تكون أَنَّ وما بعدها بدلا من الْخامِسَةَ وتخصيص الغضب بجانب المرأة للتغليظ عليها لما أنها مادة الفجور ولأن النساء كثيرا ما يستعملن اللعن فربما يتجرين على التفوه به لسقوط وقعه عن قلوبهن بخلاف غضبه جل جلاله.

وقرأ طلحة والحسن والأعمش وخالد بن إياس بنصب الْخامِسَةُ في الموضعين وقد علمت وجه النصب في الثاني، وأما وجه النصب في الأول فهو عطف الْخامِسَةَ على أَرْبَعَ شَهاداتٍ على قراءة من نصب أَرْبَعَ وجعلها مفعولا لفعل محذوف يدل عليه المعنى على قراءة من رفع أَرْبَعَ أي ويشهد الخامسة، والكلام في أَنَّ لَعْنَتَ إلخ كما سمعت في أَنَّ غَضَبَ إلخ. وقرأ نافع أن لعنة بتخفيف أن ورفع لعنة وأن غضب بتخفيف أن وغضب فعل ماض والجلالة بعد مرفوعة، وأن في الموضعين مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولم يؤت بأحد الفواصل بين قد والسين ولا بينها وبين الفعل في الموضع الثاني لكون الفعل في معنى الدعاء فما هناك نظير قوله تعالى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ [النمل: ٨] فلا غرابة في هذه القراءة خلافا لما يوهمه كلام ابن عطية.

وقرأ الحسن وأبو رجاء، وقتادة وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون والأعرج ويعقوب بخلاف عنهما «أن لعنة» كقراءة نافع و «أن غضب» بتخفيف «أن» و «غضب» مصدر مرفوع، هذا ظاهر قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ العموم والمذكور في كتب الأصحاب أنه يشترط في القاذف وزوجته التي قذفها أن يكون لهما أهلية أداء الشهادة على المسلم فلا يجري اللعان بين الكافرين والمملوكين ولا إذا كان أحدهما مملوكا أو صبيا أو مجنونا أو محدودا في قذف، ويشترط في الزوجة كونها مع ذلك عفيفة عن الزنا وتهمته بأن لم توطأ حراما لعينه ولو مرة بشبهة أو بنكاح فاسد ولم يكن لها ولد بلا أب معروف في بلد القذف، واشتراط هذا لأن اللعان قائم مقام حد القذف في حق الزوج كما يشير إليه ما قدمناه من الخبر لكن بالنسبة إلى كل زوجة على حدة لا مطلقا ألا ترى أنه لو قذف بكلمة أو كلمات أربع وزوجات له بالزنا لا يجزيه لعان واحد لهن بل لا بد أن يلاعن كلا منهن، ولو قذف أربع أجنبيات كذلك حد حدا واحدا بهن، فمتى لم تكن الزوجة ممن يحد قاذفها كما إذا لم تكن عفيفة لم يتحقق في قذفها ما يوجب الحد ليقام اللعان مقامه، وأما اشتراط كونهما ممن له أهلية أداء الشهادة فلأن اللعان شهادات مؤكدات بالأيمان عندنا خلافا للشافعي فإنه عنده أيمان مؤكدة وهو الظاهر من قول مالك وأحمد فيقع ممن كان أهلا لليمين وهو ممن يملك الطلاق فكل من يملكه فهو أهل اللعان عنده فيكون من كل زوج عاقل وإن كان كافرا أو عبدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>