للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

حليلة خير الناس دينا ومنصبا ... نبي الهدى ذي المكرمات الفواضل

عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل

مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل

فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتمو ... فلا رفعت سوطي إليّ أناملي

وكيف وودي ما حييت ونصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل

له رتب عال على الناس كلهم ... تقاصر عنه سورة المتطاول

فإن الذي قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئ بي (١) ماحل

وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تكرمه بعد ذلك وتذكره بخير وإن صح أنها قالت له حين أنشدها أول هذه الأبيات: لكنك لست كذلك، فقد أخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تأذن لحسان وتدعو له بالوسادة وتقول: لا تؤذوا حسانا فإنه كان ينصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلسانه.

وأخرج ابن جرير من طريق الشعبي عنها أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

هجوت محمدا وأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء

أتشتمه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء

لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدره الدلاء

وعد بعضهم مع الأربعة المذكورين زيد بن رفاعة ولم نر فيه نقلا صحيحا، وقيل إنه خطأ، ومعنى «منكم» من أهل ملتكم وممن ينتمي إلى الإسلام سواء كان كذلك في نفس الأمر أم لا فيشمل ابن أبيّ لأنه ممن ينتمي إلى الإسلام ظاهرا وإن كان كافرا في نفس الأمر: وقيل إن قوله تعالى: مِنْكُمْ خارج مخرج الأغلب وأغلب أولئك العصبة مؤمنون مخلصون، وكذا الخطاب في لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ وقيل: الخطاب في الأول للمسلمين وفي هذا لسيد المخاطبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم والكلام مسوق لتسليتهم.

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن جبير أن الخطاب في الثاني لعائشة وصفوان، وأبعد عن الحق من زعم أنه للذين جاؤوا بالإفك وتكلف للخيرية ما تكلف، ولعل نسبته إلى الحسن لا تصح، والظاهر أن ضمير الغائب في لا تَحْسَبُوهُ عائد على الإفك.

وجوز أن يعود على القذف وعلى المصدر المفهوم من جاؤُ وعلى ما نال المسلمين من الغم والكل كما ترى، وعلى ما ذهب إليه ابن عطية يعود على المحذوف المضاف إلى اسم إن الذي هو الاسم في الحقيقة ونهوا عن حسبان ذلك شرا لهم إراحة لبالهم بإزاحة ما يوجب استمرار بلبالهم، وأردف سبحانه النهي عن ذلك بالإضراب بقوله عز وجل: بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ اعتناء بأمر التسلية، والمراد بل هو خير عظيم لكم لنيلكم بالصبر عليه الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله عز وجل بإنزال ما فيه تعظيم شأنكم وتشديد الوعيد فيمن تكلم بما أحزنكم، والآيات


(١) يقال محل به إذا سعى إلى السلطان فهو ماحل اهـ منه

<<  <  ج: ص:  >  >>