للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ فقالت: وأي عذاب أشد من العمى، وجاء في بعض الأخبار أنها قيل لها: أليس الله تعالى يقول: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ الآية؟ فقالت: أليس أصابه عذاب عظيم أليس قد ذهب بصره وكسع بالسيف؟ تعني الضربة التي ضربها إياه صفوان حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك، فإنه يروى أنه ضربه بالسيف على رأسه لذلك والأبيات (١) عرض فيها به وبمن أسلم من العرب من مضر وأنشد:

تلقّ ذباب السيف مني فإنني ... غلام إذا هوجيت لست بشاعر

ولكنني أحمي حماي وأتقي ... من الباهت الرأي البريء الظواهر

وكاد يقتله بتلك الضربة.

فقد روى ابن إسحاق أنه لما ضربه وثب عليه ثابت بن قيس بن شماس فجمع يديه إلى عنقه بحبل ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف والله ما أراه إلا قد قتله فقال له عبد الله: هل علم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك وبما صنعت؟ قال: لا والله قال: لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه فأتوا رسول الله عليه الصلاة والسلام فذكروا ذلك له فدعا حسان وصفوان فقال صفوان: يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال صلّى الله عليه وسلّم: يا حسان أتشوهت على قومي بعد أن هداهم الله تعالى للإسلام ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك فقال: هي لك يا رسول الله فعوضه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها بيرحاء وكان أبو طلحة بن سهل أعطاها إياه عليه الصلاة والسلام ووهبه أيضا سيرين أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان.

وفي رواية في صحيح البخاري عن عائشة أيضا رضي الله تعالى عنها أنها قالت في الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هو أي المنافق ابن أبيّ وحمنة، وقيل: هو وحسان ومسطح، وعذاب المنافق الطرد وظهور نفاقه وعذاب الأخيرين بذهاب البصر، ولا يأبى إرادة المتعدد إفراد الموصول لما في الكشف من أن الَّذِي يكون جمعا وإفراد ضميره جائز باعتبار إرادة الجمع أو الفوج أو الفريق أو نظرا إلى أن صورته صورة المفرد، وقد جاء إفراده في قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر: ٣٣] وجمعه في قوله سبحانه: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا [التوبة: ٦٩] والمشهور جواز استعمال «الذي» جمعا مطلقا. واشترط ابن مالك في التسهيل أن يراد به الجنس لا جمع مخصوص فإن أريد الخصوص قصر على الضرورة هذا ولا يخفى أن إرادة الجمع هنا لا تخلو عن بعد، والذي اختاره إرادة الواحد وأن ذلك الواحد هو عدو الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين ابن أبيّ، وقد روى ذلك الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص وعبد الله بن عتبة وكلهم سمع عائشة تقول: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عبد الله بن أبي، وقد تظافرت روايات كثيرة على ذلك، والذاهبون إليه من المفسرين أكثر من الذاهبين منهم إلى غيره. ومن الإفك الناشئ من النصب قول هشام بن عبد الملك عليه من الله تعالى ما يستحق حين سئل الزهري عن الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ فقال له: هو ابن أبيّ كذبت هو علي. يعني به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه. وقد روى ذلك عن هشام البخاري والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، ولا بدع من أمويّ الافتراء على أمير المؤمنين عليّ كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه. وأنت تعلم أن قصارى ما روي عن الأمير رضي الله تعالى عنه أنه قال لأخيه وابن عمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين استشاره يا رسول الله لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك.


(١) ذكر ابن هشام في السيرة اهـ منه. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>