للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متغايران لكن ظاهر بعض الأخبار يقتضي أن الاستئذان داخل في التسليم كما أن بعضها يقتضي مغايرته له وعدم دخوله فيه، ووجه جعله من التسليم أنه بدونه كالعدم لما أن السنة فيه أن يقرن بالتسليم. هذا وفي مصحف عبد الله كما أخرج ابن جرير وغيره عن إبراهيم «حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا» ذلِكُمْ إشارة على ما قيل إلى الدخول بالاستئذان والتسليم المفهوم من الكلام، وقيل: إشارة إلى المذكور في ضمن الفعلين المغيا بهما أي الاستئذان والتسليم خَيْرٌ لَكُمْ من الدخول بغتة والدخول على تحية الجاهلية، فقد كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتا غير بيته يقول: حييتم صباحا حييتم مساء فيدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف، وخيرية المفضل عليه قيل على زعمهم لما في الانتظار من المذلة ولعدم تحية الجاهلية حسنة كما هو عادة الناس اليوم في قولهم: صباح الخير ومساء الخير، ولعل الأولى أن يقال: إن ذلك من قبيل الخل أحلى من العسل.

وجوز أن يكون خَيْرٌ صفة فلا تقدير، وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تعليل على ما اختاره جمع لمحذوف أي أرشدتم إلى ذلك أو قيل لكم هذا كي تتذكروا وتتعظوا وتعملوا بموجبه فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً بأن كانت خالية من الأهل فَلا تَدْخُلُوها واصبروا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ من جهة من يملك الإذن عند وجدانكم إياه، ووجه ذلك أن الدخول في البيوت الخالية من غير إذن سبب للقيل والقال، وفيه تصرف بملك الغير بغير رضاه وهو يشبه الغضب، وهذه الآية لبيان حكم البيوت الخالية عن أهلها كما أن الآية الأولى لبيان حكم البيوت التي فيها أهلها.

وجوز أن تكون هذه تأكيدا لأمر الاستئناس وأنه لا بدّ منه والأمر دائر عليه، والمعنى فإن لم تجدوا فيها أحدا من الآذنين أي ممن يملك الإذن فلا تدخلوها إلخ ويفيد هذا حرمة دخول ما فيه من لا يملك الإذن كعبد وصبي من دون إذن من يملكه، ومن اختار الأول قال: إن حرمة ما ذكر ثابتة بدلالة النص فتأمل. وقال سبحانه: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا إلى آخره دون فإن لم يكن فيها أحد لأن المعتبر وجد أنها خالية من الأهل مطلقا أو ممن يملك ذلك الإذن سواء كان فيها أحد في الواقع أم لم يكن كذا قيل: وعليه فالمراد من قولهم في تفسير ذلك، بأن كانت خالية كونها خالية بحسب الاعتقاد، وكذا يقال في نظيره فلا تغفل، ثم إن ما أفادته الآيتان من الحكم قد خصصه الشرع فجوز الدخول لإزالة منكر توقفت على الدخول من غير إذن أهل البيت والدخول في البيت الخالي لإطفاء حريق فيه أو نحو ذلك.

وقد ذكر الفقهاء السور التي فيها الدخول من غير إذن ممن يملك الإذن فلتراجع، وقيل: المراد بالإذن في قوله سبحانه: حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ما يعم الإذن دلالة وشرعا ولذا وقع بصيغة المجهول وحينئذ لا حاجة إلى القول بالتخصيص وفيه خفاء وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي إن أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع سواء كان الآمر من يملك الإذن أم لا فارجعوا ولا تلحوا هُوَ أي الرجوع أَزْكى لَكُمْ أي أطهر مما لا يخلو عنه اللج والعناد والوقوف على الأبواب بعد القول المذكور من دنس الدناءة والرذالة أو أنفع لدينكم ودنياكم على أن أَزْكى من الزكاة بمعنى النمو.

والظاهر أن صيغة أفعل في الوجهين للمبالغة، وقيدنا الوقوف على الأبواب بما سمعت لأنه ليس فيه دناءة مطلقا، فقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يأتي دور الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب ولا يستأذن حتى يخرج إليه فإذا خرج ورآه قال: يا ابن عم رسول الله لو أخبرتني بمكانك فيقول: هكذا أمرنا أن نطلب العلم، وكأنه رضي الله تعالى عنه عد ذلك من التواضع وهو من أقوى أسباب الفتوح لطالب العلم، وقد أعطاني الله عز

<<  <  ج: ص:  >  >>