للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على القول بأن دور مكة غير مملوكة والناس فيها شركاء وقد علمت ما في المسألة من الخلاف.

وأخرج أبو داود في الناسخ وابن جرير عن ابن عباس أن قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها قد نسخ بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ إلخ واستثنى منه البيوت الغير المسكونة، وروي حديث الاستثناء عن عكرمة والحسن وهو الذي يقتضيه ظاهر خبر مقاتل وإليه ذهب الزمخشري وتعقبه أبو حيان بأنه لا يظهر ذلك الآن الآية الأولى في البيوت المملوكة والمسكونة وهذه الآية في البيوت المباحة التي لا اختصاص لها بواحد دون واحد. والذي يقتضيه النظر الجليل أن البيوت فيما تقدم أعم من هذه البيوت فيكون ما ذكر تخصيصا لذلك وهو المعني بالاستثناء فتدبر ولا تغفل.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ وعيد لمن يدخل مدخلا من هذه المداخل لفساد أو اطلاع على عورات قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ شروع في بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخولهم البيوت اندراجا أوليا. وتلوين الخطاب وتوجيهه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتفويض ما في حيزه من الأوامر والنواهي إليه عليه الصلاة والسلام قيل لأنها تكاليف متعلقة بأمور جزئية كثيرة الوقوع حرية بأن يكون الآمر بها والمتصدي لتدبيرها حافظا ومهيمنا عليهم. وقيل: إن ذلك لما أن بعض المؤمنين جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كالمستدعي لأن يقول له ما في حيز القول.

فقد أخرج ابن مردويه عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه قال: مر رجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طريق من طرقات المدينة فنظر إلى امرأة ونظرت إليه فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها إذ استقبله الحائط فشق أنفه فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أمري فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هذا عقوبة ذنبك وأنزل الله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ

ومفعول القول مقدر، ويَغُضُّوا جواب لقل لتضمنه معنى حرف الشرط كأنه قيل: إن تقل لهم غضوا يغضوا، وفيه إيذان بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره عليه الصلاة والسلام وأنه كالسبب الموجب له وهذا هو المشهور.

وجوز أن يكون يَغُضُّوا جوابا للأمر المقدر المقول للقول. وتعقب بأن الجواب لا بد أن يخالف المجاب إما في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو قم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيه، وأيضا الأمر للمواجهة ويَغُضُّوا غائب ومثله لا يجوز، وقيل عليه: إنه لم لا يجوز أن يكون من قبيل «من كانت هجرته» الحديث ولا نسلم أنه لا يجاب الأمر بلفظ الغيبة إذا كان محكيا بالقول لجواز التلوين حينئذ وفيه بحث، ومن أنصف لا يرى هذا الوجه وجيها وهو على ما فيه خلاف الظاهر جدا، وجوز الطبرسي. وغيره أن يكون يَغُضُّوا مجزوما بلام أمر مقدرة لدلالة قُلْ أي قل لهم ليغضوا والجملة نصب على المفعولية للقول، وغض البصر إطباق الجفن على الجفن، ومِنْ قيل صلة وسيبويه يأبى ذلك في مثل هذا الكلام والجواز مذهب الأخفش، وقال ابن عطية: يصح أن تكون من لبيان الجنس ويصح أن تكون لابتداء الغاية. وتعقبه في البحر بأنه لم يتقدم مبهم لتكون من لبيان الجنس على أن الصحيح أنها ليس من موضوعاتها أن تكون لبيان الجنس انتهى، والجل على أنها هنا تبعيضية والمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل، وجعل الغض عن بعض المبصر غض بعض البصر وفيه كما في الكشف كناية حسنة ثم إن غض البصر عما يحرم النظر إليه واجب ونظرة الفجأة التي لا تعمد فيها معفو عنها،

فقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تتبع النظرة

<<  <  ج: ص:  >  >>