أو الندب، ومن قال: إنه للاباحة التزم أن الشرط هنا لا مفهوم له لجريه على العادة في مكاتبة من علم خيريته كذا قيل، والذي أراه حرمه المكاتبة إذا علم السيد أن المكاتب لو عتق أضر المسلمين.
ففي التحفة لابن حجر في باب الكتابة عند قول النووي هي مستحبة إن طلبها رقيق أمين قوي على كسب ولا تكره بحال ما نصه: لكن بحث البلقيني كراهتها لفاسق يضيع كسبه في الفسق ولو استولى عليه السيد لامتنع من ذلك، وقال هو وغيره: بل ينتهي الحال للتحريم أي وهو قياس حرمة الصدقة والقرض إذا علم أن من أخذهما يصرفهما في محرم، ثم رأيت الأذرعي بحثه فيمن علم أنه يكتسب بطريق الفسق وهو صريح فيما ذكرته إذ المدار على تمكينه بسببها من المحرم اهـ، وما ذكر من المدار موجود فيها قلنا، ثم المراد من العلم الظن القوي وهو مدار أكثر الأحكام الشرعية وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ الظاهر أنه أمر للموالي بإيتاء المكاتبين شيئا من أموالهم إعانة لهم، وفي حكمه حط شيء من مال الكتابة ويكفي في ذلك أقل ما يتمول.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهما من طريق عبد الله بن حبيب عن علي كرّم الله وجهه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«يترك للمكاتب الربع» وجاء هذا أيضا في بعض الروايات موقوفا على علي كرّم الله تعالى وجهه،
وقال ابن حجر الهيتمي: هو الأصح ولعل ذلك اجتهاد منه رضي الله تعالى عنه.
وادعاء أن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع ممنوع، ولهذا الخبر وقول ابن راهويه: أجمع أهل التأويل على أن الربع هو المراد بالآية قالوا: إن الأفضل إيتاء الربع، واستحسن ابن مسعود والحسن إيتاء الثلث، وابن عمر رضي الله تعالى عنهما إيتاء السبع، وقتادة إيتاء العشر والأمر بالايتاء عندنا للندب وقال الشافعية: للوجوب إذ لا صارف عنه، وصرحوا بأنه يلزم السيد أو وارثه مقدما له على مؤن التجهيز. أما الحط عن المكاتب كتابة صحيحة لجزء من المال المكاتب عليه أو دفع جزء من المعقود عليه بعد أخذه أو من جنسه إليه وأن الحط أولى من الدفع لأنه المأثور عن الصحابة ولأن الاعانة فيه محققة والمدفوع قد ينفقه في جهة أخرى، وهو في النجم الأخير أفضل، والأصح أن وقت الوجوب قبل العتق ويتضيق إذا بقي من النجم قدر ما يفي به من مال الكتابة، وشاع أنهم يقولون بوجوب الحط. ويرده
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»
إذ لو وجب الحط لسقط عنه الباقي حتما وأيضا لو وجب الحط لكان وجوبه معلقا بالعقد فيكون العقد موجبا ومسقطا معا، وأيضا هو عقد معاوضة فلا يجبر على الحطيطة كالبيع، قيل: معنى آتُوهُمْ أقرضوهم، وقيل: هو أمر لهم بالإنفاق عليهم بعد أن يؤدوا ويعتقوا، وإضافة المال إليه تعالى ووصفه بإيتائه تعالى إياهم للحث على الامتثال بالأمر بتحقيق المأمور به فإن ملاحظة وصول المال إليهم من جهته سبحانه مع كونه عزّ وجلّ هو المالك الحقيقي له من أقوى الدواعي إلى صرفه إلى الجهة المأمور بها، وقيل: هو أمر ندب لعامة المسلمين إعانة المكاتبين بالتصدق عليهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه أمر للولاة أن يعطوهم من الزكاة وهذا نحو ما ذكر في الكشاف من أنه أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله تعالى لهم في بيت المال كقوله سبحانه: وَفِي الرِّقابِ [البقرة: ١٧٧، التوبة:
٦٠، محمد: ٤] عند أبي حنيفة وأصحابه، ويحل للمولى إذا كان غنيا أن يأخذ ما تصدق به على المكاتب لتبدل الملك كما فيما إذا اشترى الصدقة من فقير أو وهبها الفقير له فإن المكاتب يتملكه صدقة والمولى عوضا عن العتق، وكذا الحكم لو عجز بعد أداء البعض عن الباقي فأعيد إلى الرق أو أعتق من غير جهة الكتابة، والعلة تبدل الملك أيضا عند محمد وفيه خفاء لأن ما أخذ لم يقع عوضا عن العتق، أما فيما إذا أعيد إلى الرق فظاهر، وأما فيما إذا أعتق من غير جهة الكتابة فلأن العتق لم يكن مشروطا بأداء ذلك فتدبر.