وصرحوا بحرمة ذلك، ومنع دخول من أكل ذا رائحة كريهة فيها كالثوم والبصل والكراث وأكل الفجل إذا تجشأ كذلك، وقد كان الرجل في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا وجد منه ريح الثوم يؤخذ بيده ويخرج إلى البقيع، والظاهر أن الأبخر أو من به صنان مستحكم حكمه حكم آكل الثوم والبصل، وكذا حكم من رائحة ثيابه كريهة كثياب الزياتين والدباغين، وعن مالك أن الزياتين يتأخرون ولا يتقدمون إلى الصف الأول ويقعدون في أخريات الناس، ومنع الثوم والأكل فيها لغير معتكف، ومنع الجلوس فيها للمصيبة أو للتحدث بكلام الدنيا، ومنع اتخاذها طريقا وهو مكروه أو حرام، وقد جاء النهي عن ذلك في حديث رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن اتخاذها طريقا من أشراط الساعة وفي القنية معتاد ذلك يأثم ويفسق، نعم إن كان هناك عذر لم يكره المرور، ومن تعظيمها رشها وقمها، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: كان المسجد يرش ويقم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأخرج عن يعقوب بن زيد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتبع غبار المسجد بجريدة وكذا تعليق القناديل فيها وفرشها بالآجر والحصير، وفي مفتاح السعادة ولأهل المسجد أن يفرشوا المسجد بالآجر والحصير ويعلقوا القناديل لكن من مال أنفسهم لا من مال المسجد إلا بأمر الحاكم، ولعل محل ذلك ما لم يعين الواقف شيئا من ريع الوقف لذلك، وينبغي أن يكون إيقاد القناديل الكثيرة فيها في ليالي معروفة من السنة كليلة السابع والعشرين من رمضان الموجب لاجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم بالمساجد بدعة منكرة، وكذا ينبغي أن يكون فرشها بالقطائف المنقوشة التي تشوش على المصلين وتذهب خشوعهم كذلك، ومن التعظيم أيضا تقديم الرجل اليمنى عند دخولها واليسرى عند الخروج منها، وصلاة الداخل ركعتين قبل الجلوس إذا كان دخوله لغير الصلاة على ما ذكره بعضهم،
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قتادة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«أعطوا المساجد حقها: قيل وما حقها؟ قال: ركعتان قبل أن تجلس»
ومن ذلك أيضا بناؤها رفيعة عالية لا كسائر البيوت لكن لا ينبغي تزيينها بما يشوش على المصلين، وفي حديث أخرجه ابن ماجة والطبراني عن جبير بن مطعم مرفوعا أنها لا تبنى بالتصاوير ولا تزين بالقوارير. وفسر بعضهم الرفع ببنائها رفيعة كما في قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ [البقرة: ١٢٧] والأولى عندي تفسيره بما سبق وجعل بنائها كذلك داخلا في العموم ويدخل فيه أمور كثيرة غير ما ذكرنا وقد ذكرها الفقهاء وأطالوا الكلام فيها.
زعم بعض المفسرين أن إسناد الرفع إليها مجاز، والمراد ترفع الحوائج فيها إلى الله تعالى، وقيل: ترفع الأصوات بذكر الله عز وجل فيها، ولا يخفى مافيه، وفي التعبير عن الآمر بالإذن تلويح بأن اللائق بحال المأمور أن يكون متوجها إلى المأمور به قبل الآمر به ناويا لتحقيقه كأنه مستأذن في ذلك فيقع الأمر به موقع الأمر فيه، والمراد بذكر اسمه تعالى شأنه ما يعم جميع أذكاره تعالى، وجعل من ذلك المباحث العلمية المتعلقة به عز وجل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المراد به توحيده عز وجل وهو قول: لا إله إلا الله، وعنه أيضا المراد تلاوة كتابه سبحانه.
وقيل: ذكر أسمائه تعالى الحسنى. والظاهر ما قدمنا، وعطف الذكر على الرفع من قبيل عطف الخاص على العام فإن ذكر اسمه تعالى فيها من أنواع تعظيمها، وليس من عطف التفسير في شيء خلافا لمن توهمه، والتسبيح التنزيه والتقديس ويستعمل باللام وبدونها كما في قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: ١] والمراد به إما ظاهره أو الصلاة لاشتمالها عليه وروي هذا عن ابن عباس والحسن والضحاك.
وعن ابن عباس كل تسبيح في القرآن صلاة، وأيد إرادة الصلاة هنا تعيين الأوقات بقوله سبحانه: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ والغدو جمع غداة كفتى وفتاة أو مصدر أطلق على الوقت الغدو، وأيد بأن أبا مجلز قرأ «والإيصال» مصدرا