سبحانه ألهمه صلاة وتسبيحا لائقين به مما لا يرتضيه كثير من الناس، وقد تقدم لك ما يتعلق بهذا المقام في سورة الإسراء فتذكر.
وجوز بعضهم على تقدير حمل العلم على المعنى الحقيقي أن يكون عطف التسبيح على الصلاة من عطف التفسير، وأنت تعلم أنه إذا قبل ذلك على ذلك التقدير فما المانع من قبوله على التقدير السابق من جعل الاستعارة تمثيلية، نعم يفوت حينئذ الإدماج الذي أشير إليه فيما مر وهو ليس بمانع، والحق أن احتمال التفسير بعيد ولا داعي إلى ارتكابه بل يفوت عليه ما يفوت كما لا يخفى، وقوله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ أي بالذي يفعلونه اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، و (ما) إما عبارة عن الدلالة الشاملة لجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم والتعبير عنها بالفعل مسندا إلى ضمير العقلاء لما أشرنا إليه أول الكلام، وأما عبارة عنها وعن التسبيح الخاص بالطير معا أو عن تسبيح الطير فقط فالفعل على حقيقته وإسناده إلى ضمير العقلاء لما مر، والاعتراض حينئذ مقرر لتسبيح الطير فقط وعلى الأولين لتسبيح الكل، وإما عبارة عن الأعم من الصلاة والتسبيح وغيرهما من الأفعال الصادرة عمن في السموات والأرض والأحوال العارضة له والاعتراض حينئذ مقرر لمضمون كُلٌّ قَدْ عَلِمَ أي الله تعالى صلاته وتسبيحه، وأمر التعبير بالفعل والإسناد إلى ضمير العقلاء لا يخفى، ولتعدد الأوجه فيما مر تعددت الاحتمالات هنا فتأمل ولا تغفل.
وقرأ الحسن وعيسى وسلام وهارون عن أبي عمرو «تفعلون» بتاء الخطاب، وفيه كما قيل وعيد وتخويف ولعل الظاهر أن الخطاب فيه للكفرة، وربما يجوز أن يكون ضمير الجمع على قراءة الجمهور لهم أيضا على أن المراد بالجملة تخويفهم لإعراضهم عن تسبيحه تعالى بعد أن أخبر سبحانه عمن أخبر بأنه قد علم صلاته وتسبيحه، وهذا وإن كان بعيدا إلا أن في القراءة المذكورة نوع تأييد له وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا لغيره تعالى استقلالا أو اشتراكا لأنه سبحانه الخالق لهما ولما فيهما من الذوات والصفات وهو المتصرف في جميعها إيجادا وإعداما إبداء وإعادة، وقوله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ أي إليه عز وجل خاصة لا إلى غيره أصلا الْمَصِيرُ أي رجوع الكل بالفناء والبعث بيان لاختصاص الملك به تعالى في المنتهى إثر بيان اختصاصه به تعالى في المبتدأ، وقيل: إن الجملة لبيان أن ما يرى من ظهور بعض الآثار على أيدي المخلوقات لا ينافي الحصر السابق بإفادة أن الانتهاء إليه تعالى لا إلى غيره ويكفي ذلك في الحصر ولعل الأول أولى، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة والإشعار بعلة الحكم، وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً إلخ كالتأكيد لما قبله والتنوير والإزجاء له سوق الشيء برفق وسهولة، وقيل: سوق الثقيل برفق وغلب على ما ذكر بعض الأجلة في سوق شيء يسير أو غير معتد به، ومنه البضاعة المزجاة أي المسوقة شيئا بعد شيء على قلة وضعف، وقيل: أي التي تزجى أي تدفع للرغبة عنها، وفي التعبير بيزجي على ما ذكر إيماء إلى أن السحاب بالنسبة إلى قدرته تعالى مما لا يعتد به، وهو اسم جنس جمعي واحده سحابه، والمعنى كما في البحر يسوق سحابة إلى سحابة ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ بأن يوصل سحابة بسحابة، وقال غير واحد:
السحاب واحد كالعماء والمراد يؤلف بين أجزائه وقطعه وهذا لأن بين لا تضاف لغير متعدد وبهذا التأويل يحصل التعدد كما قيل به في قوله: بين الدخول فحومل، واستغنى بعضهم عنه بجعل السحاب اسم جنس جمعي على ما سمعت.
وقرأ ورش عن نافع «يولف» غير مهموز ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً أي متراكما بعضه فوق بعض فَتَرَى الْوَدْقَ أي المطر شديدا كان أو ضعيفا إثر تراكمه وتكاثفه، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بجيلة عن أبيه أنه فسر الودق بالبرق