للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وفي الآية توجيه آخر ذكره أبو حيان وظاهر صنيعه اختياره وعليه اقتصر أبو البقاء هو أن التقدير ليس عليكم ولا عليهم جناح بعد استئذانهم فيهن فحذف الفاعل وحرف الجر فبقي بعد استئذانهن ثم حذف المصدر فصار بعدهن، وعليه تقل مؤونة الكلام في الآية إلا أنه خلاف الظاهر جدا. والجمهور على ما سمعت أولا في معناها، والظاهر أن الجملة على القراءتين السابقتين في ثلاث مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها، وفي الكشاف أنها إذا رفع ثَلاثَ كانت في محل رفع على الوصف. والمعنى هن ثلاث مخصوصة بالاستئذان وإذا نصب لم يكن لها محل وكانت كلاما مقررا للاستئذان في تلك الأحوال خاصة، وقال في ذلك صاحب التقريب: إن رفع الحرج وراء الأوقات الثلاثة مقصود في نفسه فإذا وصف به ثَلاثُ عَوْراتٍ نصبا وهو بدل من ثلاث مرات كان التقدير ليستأذنكم هؤلاء في ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان. ويدفعه وجوه مستفادة من علم المعاني. أحدها اشتراط تقدم علم السامع بالوصف وهو منتف إذ لم يعلم إلا من هذا. والثاني جعل الحكم المقصود وصفا للظرف فيصير غير مقصود. والثالث أن الأمر بالاستئذان في المرات الثلاث حاصل وصفت بأن لا حرج وراءها أو لم توصف فيضيع الوصف. وأما إذا وصف المرفوع فيزول الدوافع لأنه ابتداء تعليم أي هن ثلاث مخصوصة بالاستئذان وصفة للخبر المقصود ولم يتقيد أمر الاستئذان به فليتأمل فإنه دقيق جليل انتهى، وتعقب بأن الوجهين الأخيرين ساقطان لا طائل تحتهما والأول هو الوجه. فإن قيل: هو مشترك الإلزام قيل: قد تقدم في قوله تعالى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ ما يرشد إلى العلم بذلك وليست الجملة الأخيرة من أجزائه كما هي كذلك على فرض جعلها صفة للبدل ولا يحتاج مع هذا إلى حديث أن رفع الحرج وراء الأوقات الثلاثة مقصود في نفسه بل قيل هو في نفسه ليس بشيء فقد قال الطيبي: إن المقصود الأولى الاستئذان في الأوقات المخصوصة ورفع الحرج في غيرها تابع له لقول المحدث رضي الله تعالى عنه لوددت أن الله عز وجل نهى آباءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإذن ثم انطلق إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وقد نزلت الآية. وفي الكشف أنه جيء به أي بالكلام الدال على رفع الحرج أعني لَيْسَ عَلَيْكُمْ إلخ على رفع ثَلاثَ مؤكدا للسالف على طريق الطرد والعكس وكذلك إذا نصب وجعل استئنافا وأما إذا جعل وصفا فيفوت هذا المعنى. وهذا أيضا من الدوافع انتهى فتأمل ولا تغفل.

وقوله تعالى: طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ خبر مبتدأ محذوف أي هم طوافون والجملة استئناف ببيان العذر المرخص في ترك الاستئذان وهو المخالطة الضرورية وكثرة المداخلة. وفيه دليل على تعليل الأحكام الشرعية وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاثة وغيرها بأنها عورات. وقوله عز وجل: بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ جوز أن يكون مبتدأ وخبرا ومتعلق الجار كون خاص حذف لدلالة ما قبله عليه أي بعضكم طائف على بعض، وجوز أن يكون معمولا لفعل محذوف أي يطوف بعضكم على بعض، وقال ابن عطية بَعْضُكُمْ بدل من طَوَّافُونَ، وتعقبه في البحر بأنه إن أراد أنه بدل من طَوَّافُونَ نفسه فلا يجوز لأنه يصير التقدير هم بعضكم على بعض وهو معنى لا يصح وإن أراد أنه بدل من الضمير فيه فلا يصح أيضا إن قدر الضمير ضمير غيبة لتقديرهم لأنه يصير التقدير هم يطوف بعضكم على بعض وإن جعل التقدير أنتم يطوف عليكم بعضكم على بعض فيدفعه أن عَلَيْكُمْ يدل على أنهم هم المطوف عليهم وأنتم طوافون يدل على أنهم طائفون فيتعارضان، وقيل: يقدر أنتم طوافون ويراد بأنتم المخاطبون والغيب من المماليك والصبيان وهو كما ترى، وجوز أبو البقاء كون الجملة بدلا من التي قبلها وكونها مبينة مؤكدة، ولا يخفى عليك ما تضمنته من جبر قلوب المماليك بجعلهم بعضا من المخاطبين وبذلك يقوى أمر العلية. وقرأ ابن أبي عبلة «طوافين» بالنصب على الحال من ضمير عليهم كَذلِكَ إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعد على ما مر تفصيله في تفسير قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>