للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدير القول فيه غير ظاهر، والفلان والفلانة كناية عن غير العاقل من الحيوانات كما قال الراغب، وفل وفلة كناية عن نكرة من يعقل فالأول بمعنى رجل والثاني بمعنى امرأة، ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط كما في البحر في قولهم: فل كناية عن العلم كفلان ويختص بالنداء إلا ضرورة كما في قوله:

في لجة أمسك فلان عن فل وليس مرخم فلان خلافا للفراء، واختلفوا في لام فل وفلان فقيل واو، قيل: ياء، وكنوا بهن بفتح الهاء وتخفيف النون عن أسماء الأجناس كثيرا، وقد كنى به عن الأعلام كما في قوله:

والله أعطاك فضلا عن عطيته ... على هن وهن فيما مضى وهن

فإنه على ما قال الخفاجي أراد عبد الله وإبراهيم وحسنا والخليل من الخلة بضم الخاء بمعنى المودة أطلق عليها ذلك إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها، وأنشد:

قد تخللت مسلك الروح مني ... وبه سمّي الخليل خليلا

وإما لأنها تخلها فتؤثر فيها تأثير السهم في الرمية، وإما لفرط الحاجة إليها، وهذا التمني وإن كان مسوقا لإبراز الندم والحسرة لكنه متضمن لنوع تعلل واعتذار بتوريك جنايته إلى الغير، وقوله تعالى لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ تعليل لتمنيه المذكور وتوضيح لتعلله، وتصديره باللام القسمية للمبالغة في بيان خطئه وإظهار ندمه وحسرته أي والله لقد أضلني فلان عن ذكر الله تعالى أو عن موعظة الرسول عليه الصلاة والسلام أو عن كلمة الشهادة أو عن القرآن بَعْدَ إِذْ جاءَنِي أي وصل إليّ وعلمته أو تمكنت منه فلا دلالة في الآية على إيمان من أنزلت فيه ثم ارتداده وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا مبالغا في الخذلان وهو ترك المعاونة والنصرة وقت الحاجة ممن يظن فيه ذلك، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله إما من جهته تعالى أو من تمام كلام الظالم على أنه سمى خليله شيطانا بعد وصفه بالإضلال الذي هو أخص الأوصاف الشيطانية أو على أنه أراد بالشيطان إبليس لأنه الذي حمله على مجالسة المضلين ومخالفة الرسول الهادي عليه الصلاة والسلام بوسوسته وإغوائه فإن وصفه بالخذلان يشعر بأنه كان يعده في الدنيا ويمنيه بأن ينفعه في الآخرة وهو أوفق لحال إبليس عليه اللعنة.

وَقالَ الرَّسُولُ عطف على قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [الفرقان: ٢١] إلخ وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام ما قالوه وبيان ما يحيق بهم من الأهوال والخطوب، والمراد بالرسول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتحقيق الحق والرد على نحورهم حيث كان ما حكي عنهم قدحا في رسالته صلّى الله عليه وسلّم أي قالوا كيت وكيت وقال الرسول إثر ما شاهد منهم غاية العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه عز وجل والشكوى عليهم يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ الجليل الشأن المشتمل على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم مَهْجُوراً أي متروكا بالكلية ولم يؤمنوا به ولم يرفعوا إليه رأسا ولم يتأثروا بوعيده ووعده، فمهجورا من الهجر بفتح الهام بمعنى الترك وهو الظاهر، وروي ذلك عن مجاهد والنخعي وغيرهما واستدل ابن الفرس بالآية على كراهة هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه، وكان ذلك لئلا يندرج من لم يتعاهد القراءة فيه تحت ظاهر النظم الكريم فإن ظاهره ذم الهجر مطلقا وإن كان المراد به عدم القبول لا عدم الاشتغال مع القبول ولا ما يعمهما فإن كان مثل هذا يكفي في الاستدلال فذاك وإلا فليطلب دليل آخر للكراهة. وأورد بعضهم في ذلك خبرا وهو

«من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>