قوم نوح عليه السلام تكذيبهم للآيات والرسل لا عدم التأثر من الأمثال المضروبة أي ذكرنا وأنذرنا كل واحد من المذكورين ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ أي بينا لكل القصص العجيبة الزاجرة عما هم عليه من الكفر والمعاصي بواسطة الرسل عليهم السلام، وقيل: ضمير له للرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى وكل الأمثال ضربناه للرسول فيكون كُلًّا منصوبا بضربنا والْأَمْثالَ بدلا منه على ما في البحر، وفيه أنه أبعد من ذهب إلى ذلك، وعندي أنه مما لا ينبغي أن يفسر به كلام الله تعالى.
وقوله تعالى: وَكُلًّا مفعول مقدم لقوله سبحانه: تَبَّرْنا تَتْبِيراً وتقديمه للفاصلة، وقيل: لإفادة القصر على أن المعنى كلا لا بعضا، وتعقب بأن لفظ- كل- يفيد ذلك ويمكن توجيه ذلك بالعناية، وأصل التتبير التفتيت، قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته ومنه التبر لفتات الذهب والفضة. والمراد به التمزيق والإهلاك أي أهلكنا كل واحد منهم إهلاكا عجيبا هائلا لما أنهم لم يتأثروا بذلك ولم يرفعوا له رأسا وتمادوا على ما هم عليه من الكفر والعدوان وَلَقَدْ أَتَوْا جملة مستأنفة مسوقة لبيان مشاهدة كفار قريش لآثار هلاك بعض الأمم المتبرة وعدم اتعاظهم بها.
وتصديرها بالقسم لتقرير مضمونها اعتناء به. وأتى مضمن معنى مر لتعديه بعلى، والمعنى بالله لقد مر قريش في متاجرهم إلى الشام.
عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ وهي سذوم وهي أعظم قرى قوم لوط سميت باسم قاضيها سذوم بالذال المعجمة على ما صححه الأزهري واعتمده في الكشف، وفي المثل أجور من سذوم أهلكها الله تعالى بالحجارة وهو المراد بمطر السوء وكذا أهلك سائر قراهم وكانت خمسا إلا قرية واحدة وهي زغر لم يهلكها لأن أهلها لم يعملوا العمل الخبيث كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأفراد القرية بالذكر لما أشرنا إليه وانتصب مَطَرَ على أنه مفعول ثان لأمطرت على معنى أعطيت أو أوليت أو على أنه مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي إمطار السوء كما قيل في أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] ، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لمحذوف أي إمطارا مثل مطر السوء وليس بشيء.
وقرأ زيد بن علي مطرت ثلاثيا مبنيا للمفعول ومطر مما يتعدى بنفسه. وقرأ أبو السمال «مطر السوء» بضم السين أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها توبيخ على تركهم التذكر عند مشاهدة ما يوجبه. والهمزة لإنكار نفي استمرار رؤيتهم لها وتقرير استمرارها حسب استمرار ما يوجبها من إتيانهم عليها لا لإنكار استمرار نفي رؤيتهم وتقرير رؤيتهم لها، والفاء لعطف مدخولها على مقدر يقتضيه المقام أي ألم يكونوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها أو كانوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها في مرار مرورهم ليتعظوا بما كانوا يشاهدونه من آثار العذاب.
والمنكر في الأول النظر وعدم الرؤية معا وفي الثاني عدم الرؤية مع تحقق النظر الموجب لها عادة كذا في إرشاد العقل السليم. ولم يقل: أفلم يرونها مع أنه أخصر وأظهر قصدا لإفادة التكرار مع الاستمرار ولم يصرح في أول الآية بنحو ذلك بأن يقال: ولقد كانوا يأتون بدل ولقد أتوا للإشارة إلى أن المرور ولو مرة كاف في العبرة فتأمل. وقوله تعالى: بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً إما إضراب عما قبله من عدم رؤيتهم لآثار ما جرى على أهل القرى من العقوبة وبيان لكون عدم اتعاظهم بسبب إنكارهم لكون ذلك عقوبة لمعاصيهم لا لعدم رؤيتهم لآثارهم خلا أنه اكتفى عن التصريح بإنكارهم ذلك بذكر ما يستلزمه من إنكار الجزاء الأخروي وقد كنى عن ذلك بعدم رجاء النشور، والمراد بالرجاء التوقع مجازا كأنه قيل: بل كانوا لا يتوقعون النشور المستتبع للجزاء الأخروي وينكرونه ولا يرون لنفس من