بطعن المعاندين في أمر القبلة وَالصَّلاةِ التي هي الأصل والموجب لكمال التقرب إليه تعالى.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ معية خاصة بالعون والنصر ولم يقل مع المصلين لأنه إذا كان مع الصابرين كان مع المصلين من باب أولى لاشتمال الصلاة على الصبر وَلا تَقُولُوا عطف على اسْتَعِينُوا إلخ مسوق لبيان أنه لا غائلة للمأمور به وأن الشهادة التي ربما يؤدي إليها الصبر حياة أبدية لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعته وإعلاء كلمته وهم الشهداء واللام للتعليل لا للتبليغ لأنهم لم يبلغوا الشهداء قولهم: أَمْواتٌ أي هم أموات. بَلْ أَحْياءٌ.
أي بل هم أحياء، والجملة معطوفة على لا تَقُولُوا إضراب عنه، وليس من عطف المفرد على المفرد ليكون في حيز القول ويصير المعنى بل- قولوا أحياء- لأن المقصود إثبات الحياة لهم لا أمرهم بأن يقولوا في شأنهم إنهم أحياء وإن كان ذلك أيضا صحيحا وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ. أي لا تحسون ولا تدركون ما حالهم بالمشاعر لأنها من أحوال البرزخ التي لا يطلع عليها ولا طريق للعلم بها إلا بالوحي- واختلف في هذه الحياة- فذهب كثير من السلف إلى أنها حقيقية بالروح والجسد ولكنا لا ندركها في هذه النشأة، واستدلوا بسياق قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: ١٦٩] وبأن الحياة الروحانية التي ليست بالجسد ليست من خواصهم فلا يكون لهم امتياز بذلك على من عداهم، وذهب البعض إلى أنها روحانية وكونهم يرزقون لا ينافي ذلك- فقد روي عن الحسن- أن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الرّوح (١) والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع، فوصول هذا الروح إلى الروح هو الرزق والامتياز ليس بمجرد الحياة بل مع ما ينضم إليها من اختصاصهم بمزيد القرب من الله عز شأنه ومزيد البهجة والكرامة، وذهب البلخي إلى نفي الحياة بالفعل عنهم مطلقا- وأخرج الجملة الاسمية الدالة على الاستمرار المستوعب للأزمنة من وقت القتل إلى ما لا آخر له عن ظاهرها- وقال:
معنى بَلْ أَحْياءٌ إنهم يحيون يوم القيامة فيجزون أحسن الجزاء، فالآية على حد إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار: ١٣، ١٤] وفائدة الأخبار بذلك الرد على المشركين حيث قالوا: إن أصحاب محمد يقتلون أنفسهم ويخرجون من الدنيا بلا فائدة ويضيعون أعمارهم فكأنه قيل: ليس الأمر كما زعمتم بل يحيون ويخرجون، وذهب بعضهم إلى إثبات الحياة الحكمية لهم بما نالوا من الذكر الجميل والثناء الجليل كما
روي عن علي كرم الله تعالى وجهه هلك خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة،
وحكي عن الأصم أن المراد بالموت والحياة الضلال والهدى أي لا تقولوا هم أموات في الدين ضالون عن الصراط المستقيم بل هم أحياء بالطاعة قائمون بأعبائها، ولا يخفى أن هذه الأقوال- ما عدا الأولين- في غاية الضعف بل نهاية البطلان، والمشهور ترجيح القول الأول، ونسب إلى ابن عباس، وقتادة، ومجاهد والحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء والجبائي والرماني وجماعة من المفسرين لكنهم اختلفوا في المراد بالجسد، فقيل: هو هذا الجسد الذي هدمت بنيته بالقتل ولا يعجز الله تعالى أن يحل به حياة تكون سبب الحس والإدراك وإن كنا نراه رمة مطروحة على الأرض لا يتصرف ولا يرى فيه شيء من علامات الإحياء، فقد جاء
في الحديث «إن المؤمن يفسح له مد بصره، ويقال له نم نومة العروس»
مع أنا لا نشاهد ذلك إذ البرزخ برزخ آخر بمعزل عن أذهاننا وإدراك قوانا. وقيل: جسد آخر على صورة الطير تتعلق الروح فيه، واستدل بما
أخرجه عبد الرزاق عن عبد الله بن كعب بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إن أرواح الشهداء في صور طير خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله تعالى يوم القيامة»