والظرف متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالا من ضميره وتقديمه للاهتمام أو الفاصلة أو الاختصاص بناء على أن يراد بالمعية الاستماع في حقه عز وجل وهو مجاز عن السمع اختير للمبالغة لأن فيه تسلما للإدراك وهو مما ينزه الله تعالى عنه سواء كان بحاسة أم لا فسقط ما قيل من أن السمع في الحقيقة إدراك بحاسة فإن أريد به مطلق الإدراك فالاستماع مثله فلا حاجة إلى التجوز فيه، وإلى التجوز هنا ذهب غير واحد، وقال بعضهم: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ جملة استعارة تمثيلية مثّل سبحانه حاله عز وجل بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة قوم يستمع ما يجري بينهما ليمد أولياءه ويظهرهم على أعدائهم مبالغة في الوعد بالإعانة وحينئذ لا تجوز في شيء من مفرداته ولا يكون مُسْتَمِعُونَ مطلقا عليه تعالى فلا يحتاج إلى جعله بمعنى سامعين إلا أن يقال: إنه في المستعار منه كذلك لأن المقصود السمع دون الاستماع الذي قد لا يوصل إليه لكنه كما ترى.
وجوز أن يكون إِنَّا مَعَكُمْ فقط تمثيلا لحاله عز وجل في نصره وإمداده بحال من ذكر ويكون الاستماع مجازا عن السمع وهو بحسب ظاهره لكونه لم يطلق عليه سبحانه كالسمع كالقرينة وإن كان مجازا والقرينة في الحقيقة عقلية وهي استحالة حضوره تعالى شأنه في مكان، ولا بد على هذا من أن يقال: إن الاستماع المذكور في تقرير التمثيل ليس هو الواقع في النظم الكريم بل هو من لوازم حضور الحكم للخصومة وفيه بعد. ثم إن ما ذكروه وإن كان مبنيا على جعل الخطاب لموسى وهارون وفرعون يمكن إجراؤه على جعله لهما عليهما السلام ولم يتبعهما أو لهما فقط أيضا بأدنى عناية فافهم ولا تغفل.
وزعم بعضهم إن المعية والاستماع على حقيقتهما ولا تمثيل، والمراد أن ملائكتنا معكم مستمعون وهو مما لا ينبغي أن يستمع، ولا بد في الكلام على هذا التقدير من إرادة الإعانة والنصرة وإلا فبمجرد معية الملائكة عليهم السلام واستماعهم لا يطيب قلب موسى عليه السلام.
والفاء في قوله تعالى: أْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الوعد الكريم، وليس هذا مجرد تأكيد للأمر بالذهاب لأن معناه الوصول إلى المأتي لا مجرد التوجه إلى المأتي كالذهاب.
وأفرد الرسول هنا لأنه مصدر بحسب الأصل وصف به كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة كرجل عدل فيجري فيه كما يجري فيه من الأوجه، ولا يخفى الأوجه منها، وعلى المصدرية ظاهر قول كثير عزة:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بسر ولا أرسلتهم برسول
وأظهر منه قول العباس بن مرداس:
ألا من مبلغ عني خفافا ... رسولا بيت أهلك منتهاها (١)
أو لاتحادهما للإخوة أو لوحدة المرسل أو المرسل به أو لأن قوله تعالى: إِنَّا بمعنى إن كان كلامنا فصح إفراد الخبر كما يصح في ذلك، وفائدته الإشارة إلى أن كلا منهما مأمور بتبليغ ذلك ولو منفردا، وفي التعبير برب العالمين رد على اللعين نقض لما كان أبرمه من ادعاء الألوهية وحمل لطيف له على امتثال الأمر، وأَنْ في قوله تعالى:
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول، وجوز أبو حيان كونها مصدرية على معنى أنا رسوله عز وجل بالأمر بالإرسال وهو بمعنى الإطلاق والتسريح كما في قولك: أرسلت الحجر من
(١) حيث أنث الضمير باعتبار الرسالة اهـ منه.