صلة له كأنه قيل: قال للذين استقروا حوله إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ فائق في علم السحر يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ قسرا مِنْ أَرْضِكُمْ التي نشأتم فيها وتوطنتموها بِسِحْرِهِ وفي هذا غاية التنفير عنه عليه السلام وابتغاء الغوائل له إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن لا سيما إذا كان ذلك قسرا وهو السر في نسبة الإخراج والأرض إليهم فَماذا تَأْمُرُونَ أي أمر تأمرون فمحل ماذا النصب على المصدرية وتَأْمُرُونَ من الأمر ضد النهي ومفعوله محذوف أي تأمروني، وفي جعله عبيده بزعمه آمرين له مع ما كان يظهره لهم من دعوى الألوهية والربوبية ما يدل على أن سلطان المعجزة بهره وحيره حتى لا يدري أي طرفيه أطول فزل عند ذكر دعوى الألوهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وانحط عن ذروة الفرعنة إلى حضيض المسكنة ولهذا أظهر استشعار الخوف من استيلائه عليه السلام على ملكه.
وجوز أن يكون ماذا في محل النصب على المفعولية وأن يكون «تأمرون» من المؤامرة بمعنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه ولعل ما تقدم أولى.
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخّر أمرهما إلى أن تأتيك السحرة من أرجأته إذا أخرته، ومنه المرجئة وهم الذين يؤخرون العمل لا يأتونه ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وقرأ أهل المدينة والكسائي وخلف «أرجه» بكسر الهاء، وعاصم وحمزة «أرجه» بغير همز وسكون الهاء، والباقون «أرجئه» بالهمز وضم الهاء، وقال أبو علي: لا بد من ضم الهاء مع الهمزة ولا يجوز غيره، والأحسن أن لا يبلغ بالضم إلى الواو، ومن قرأ بكسر الهاء فأرجه عنده من أرجيته بالياء دون الهمزة والهمز على ما نقل الطيبي أفصح، وقد توصل الهاء المذكورة بياء فيقال: أرجهي كما يقال مررت بهي، وذكر الزجاج أن بعض الحذاق بالنحو لا يجوز إسكان نحوها، أَرْجِهْ أعني هاء الإضمار، وزعم بعض النحويين جواز ذلك واستشهد عليه ببيت مجهول ذكره الطبرسي: وقال هو شعر لا يعرف قائله والشاعر يجوز أن يخطىء.
وقال بعض الأجلة: الإسكان ضعيف لأن هذه الهاء إنما تسكن في الوقف لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وقيل: المعنى احبسه، ولعلهم قالوا ذلك لفرط الدهشة أو تجلدا ومداهنة لفرعون وإلا فكيف يمكنه أن يحبسه مع شاهد منه من الآيات وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ شرطاء يحشرون السحرة ويجمعونهم عندك يَأْتُوكَ مجزوم في جواب الأمر أي إن تبعثهم يأتوك بِكُلِّ سَحَّارٍ كثير العمل بالسحر عَلِيمٍ فائق في علمه، ولكون المهم هنا هو العمل أتوا بما يدل على التفضيل فيه، وقرأ الأعمش وعاصم في رواية «بكل ساحر عليم» فَجُمِعَ السَّحَرَةُ أي المعهودون على أن التعريف كما في المفتاح عهدي، وقال الفاضل المحقق: إن المعهود قد يكون عاما مستغرقا كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم وفيه بحث فتأمل.
لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة على أن الميقات من صفات الزمان، وفي الكشاف هو ما وقت به أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام وَقِيلَ لِلنَّاسِ استبطاء لهم في الاجتماع وحثا على التبادر إليه هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ في ذلك الميقات فالاستفهام مجاز عن الحث والاستعجال كما في قول تأبط شرا:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق (١)
(١) دينار اسم رجل وعبد رب منصوب بالعطف على محله وهو اسم رجل أيضا وأخا عون منادى لا نعت، ويجوز أن يكون عطف بيان لعبد رب اهـ منه. [.....]