للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الحبال والعصي وأما هي فقد بقيت ولم تعدم كما توهمه بعض المفسرين ويدل عليه قوله تعالى: تَلْقَفْ ما صَنَعُوا [طه: ٦٩] وهم لم يصنعوا إلا الصور ولولا ذلك لوقعت الشبهة للسحرة في عصا موسى عليه السلام فلم يؤمنوا انتهى ملخصا فتأمل قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ بدل اشتمال من (ألقي) لما بين الإلقاء المذكور وهذا القول من الملابسة أو حال بإضمار قد أو بدونه، ويحتمل أن يكون استئنافا بيانيا كأنه قيل: فما قالوا؟ فقيل: قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ عطف بيان لرب العالمين أو بدل منه جيء به لدفع توهم إرادة فرعون حيث كان قومه الجهلة يسمونه بذلك وللإشعار بأن الموجب لإيمانهم به تعالى ما أجراه سبحانه على أيديهما من المعجزة القاهرة. ومعنى كونه تعالى ربهما أنه جل وعلا خالقهما ومالك أمرهما.

وجوز أن يكون إضافة الرب إليهما باعتبار وصفهما له سبحانه بما تقدم من قول موسى عليه السلام: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا [الشعراء: ٢٤] وقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: ٢٦] وقوله:

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما [الشعراء: ٢٨] فكأنهم قالوا: آمنا برب العالمين الذي وصفه موسى وهارون، ولا يخفى ما فيه وإن سلم سماعهم للوصف المذكور بعد أن حشروا من المدائن قالَ فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي بغير أن آذن لكم بالإيمان له كما في قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي [الكهف:

١٠٩] إلا أن الإذن منه ممكن أو متوقع إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فتواطأتم على ما فعلتم فيكون كقوله: إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ [الأعراف: ١٢٣] إلخ أو علمكم شيئا دون شيء فلذلك غلبكم كما قيل، ولا يرد عليه أنه لا يتوافق الكلامان حينئذ إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا منهما وإن لم يذكرا معا هنا، وأراد اللعين بذلك التلبيس على قومه كيلا يعتقدوا أنهم آمنوا عن بصيرة وظهور حق.

وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر وروح «أآمنتم» بهمزتين فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال ما فعلتم. واللام قيل للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف أي فلأنتم سوف تعلمون. وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة. وجمعها مع سوف للدلالة على أن العلم كائن لا محالة وإن تأخر لداع، وقيل: هي للقسم وقاعدة التلازم بينها وبين النون فيما عدا صورة الفصل بينها وبين الفعل بحرف التنفيس وصورة الفصل بينهما بمعمول الفعل كقوله تعالى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران: ١٥٨] وقال أبو علي: هي اللام التي في لأقومن ونابت سوف عن إحدى نوني التأكيد فكأنه قيل: فلتعلمن، وقوله تعالى حكاية عنه: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ بيان لمفعول تَعْلَمُونَ المحذوف الذي أشرنا إليه وتفصيل لما أجمل ولذا فصل وعطف بالفاء في محل آخر، وقد مر معنى مِنْ خِلافٍ قالُوا أي السحرة لا ضَيْرَ أي لا ضرر علينا فيما ذكرت من قطع الأيدي وما معه، والضير مصدر ضار وجاء مصدره أيضا ضورا، وهو اسم لا وخبرها محذوف وحذفه في مثل ذلك كثير، وقوله تعالى: إِنَّا إِلى رَبِّنا أي الذي آمنا به مُنْقَلِبُونَ تعليل لنفي الضير أي لا ضير في ذلك بل لنا فيه نفع عظيم لما يحصل لنا من الصبر عليه لوجه الله تعالى من الثواب العظيم أو لا ضير علينا فيما تفعل لأنه لا بد من الموت بسبب من الأسباب والانقلاب إلى الله عز وجل.

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تعددت الأسباب والموت واحد

وحاصله نفي المبالاة بالقتل معللا بأنه لا بد من الموت، ونظير ذلك

قول علي كرّم الله تعالى وجهه: لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ،

أو لا ضير علينا في ذلك لأن مصيرنا ومصيرك إلى رب يحكم بيننا فينتقم لنا منك، وفي معنى ذلك قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>