للتدبير. وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير «لمدّركون» بفتح الدال مشددة وكسر الراء من الإدراك بمعنى الفناء والاضمحلال يقال: أدرك الشيء إذا فني تتابعا وأصله التتابع وهو ذهاب أحد على أثر آخر ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك وأن يفني شيئا فشيئا حتى يذهب جميعه، وقد جاء التتابع بهذا المعنى في قول الحماسي:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا ... أرجي حياة أم من الموت أجزع
والمعنى إنا لهالكون على أيديهم شيئا فشيئا قالَ موسى عليه السلام ردعا لهم عن ذلك وإرشادا إلى أن تدبير الله عز وجل يغني عن تدبيره: كَلَّا لن يدركوكم إِنَّ مَعِي رَبِّي بالحفظ والنصرة سَيَهْدِينِ قريبا إلى ما فيه نجاتكم منهم ونصركم عليهم، ولم يشركهم عليه السلام في المعية والهداية إخراجا للكلام على حسب ما أشاروا إليه في قولهم: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ من طلب التدبير منه عليه السلام، وقيل: لما كان عليه السلام هو الأصل وغيره تبع له محفوظون منصورون بواسطته وشرفه وكرامته قال: مَعِي دون معنا وكذا قال: سَيَهْدِينِ دون سيهدينا، وقيل: قال ذلك جزاء لهم على غفلتهم عن قوله تعالى له عليه السلام أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ [القصص: ٣٥] حتى خافوا فقالوا ما قالوا فإن الظاهر أنهم سمعوا ذلك من موسى عليه السلام في مدة بقائهم معه في مصر أو غفلتهم عن عناية الله تعالى بهم حين كانوا مع القبط في مصر حيث لم يصبهم ما أصابهم من الدم ونحوه من الآيات المقتضية بواسطة حسن الظن إنجاءهم منهم حين أمروا بالخروج فلحقوهم وكان تأديبه لهم على ذلك بمجرد عدم إشراكهم فيما ذكر لا أنه نفاه عنهم كما يتوهم من تقديم الخبر فإن تقديمه لأجل الاهتمام بأمر المعية التي هي مدار النجاة المطلوبة، وقيل: للحصر لكن بالنسبة إلى فرعون وجمعه، وقيل: على القول الثاني في توجيه عدم إشراكهم: إنه للحصر بالنسبة إليهم أيضا على معنى إن معي أولا وبالذات ربي لا معكم كذلك، وقيل: قدم المعية هنا وأخرت في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: ٤٠] لأن المخاطب هنا بنو إسرائيل وهم أغبياء يعرفون الله عز وجل بعد النظر والسماع من موسى عليه السلام والمخاطب هناك الصديق رضي الله تعالى عنه وهو ممن يرى الله تعالى قبل كل شيء، ولاختلاف المقام نظم نبينا صلّى الله عليه وسلّم صاحبه معه في المعية ولم يقدم له ردعا وزجرا وخاطبه على نحو مخاطبة الله تعالى له عليه الصلاة والسلام عند تسليته بما صورته النهي عن الحزن، وأتى بالاسم الجامع وهو لفظ الله دون اسم مشعر بصفة واحدة مثلا ولم يكن كلام موسى عليه السلام ومخاطبته لقومه على هذا الطرز وسبحان من فضل بعض العالمين على بعض.
وزعم بعضهم أن في الكلام حذفا والتقدير إن معي وعد ربي ولذلك قال: مَعِي دون معنا وفيه ما فيه.
فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ هو القلزم على الصحيح، وقيل: بحر من وراء مصر يقال له أساف، وقيل: النيل، والظاهر أن هذا الإيحاء كان بعد القول المذكور ولم يكن مأمورا بالضرب يوم الأمر بالإسراء،
فقد أخرج ابن عبد الحكم عن مجاهد أنه لما انتهى موسى عليه السلام وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون: يا نبي الله أين أمرت فإن البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال: أمرت بالبحر فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار فجعل موسى عليه السلام لا يدري كيف يصنع وكان الله تعالى قد أوحى إلى البحر أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصاه فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر.
وأخرج أيضا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن موسى لما انتهى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه فمشى على الماء واقتحم غيره خيولهم فرسوا في الماء، وقال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل: له اضرب بعصاك البحر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن