وجوز أن يكون ظرفا لآمنين الواقع حالا وليس بذاك، والهضيم الداخل بعضه في بعض كأنه هضم أي شدخ.
وسأل عنه نافع بن الأزرق بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال له: المنضم بعضه إلى بعض فقال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول امرئ القيس:
دار لبيضاء العوارض طفلة ... مهضومة الكشحين ريا المعصم
وقال الزهري: هو اللطيف أول ما يخرج، وقال الزجاج: هو الذي رطبه بغير نوى وروي عن الحسن. وقيل:
هو المتدلي لكثرة ثمره، وقيل: هو النضيج من الرطب وروي عن عكرمة، وقيل: الرطب المذنب وروى عن يزيد بن أبي زياد، فوصف الطلع بالهضيم إما حقيقة أو مجاز وهو حقيقة وصف لثمره، وجعل بعضهم على بعض الأقوال الطلع مجازا عن الثمر لأوله إليه، والنخل اسم جنس جمعي يذكر كما في قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: ٢٠] ويؤنث كما هنا، وليس ذلك لأن المراد به الإناث فإنه معلوم بقرينة المقام ولو ذكر الضمير.
وإفراده بالذكر مع دخوله في الجنات لفضله على سائر أشجارها أو لأن المراد بها غيره من الأشجار.
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ أي أشرين بطرين كما روي عن ابن عباس ومحمد بن العلاء، وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس تفسيره بنشطين مهتمين، وقال أبو صالح: أي حاذقين وبذلك فسره الراغب.
وقال ابن زيد: أي أقوياء، وأنت تعلم أن هذه الجملة داخلة في حيز الاستفهام السابق والأوفق به على القول الأول وعلى القول الثاني كل من الأقوال الباقية وكلها سواء في ذلك إلا أنه يفهم من كلام بعضهم أن الفراهة حقيقة في النشاط مجاز في غيره وعليه يترجح تفسيره بنشطين إذا أريد التذكير.
وقرأ أبو حيوة وعيسى والحسن «تنحتون» بفتح الحاء. وقرىء «تنحاتون» بألف بعد الحاء إشباعا، وعن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه أنه قرأ «ينحتون» بالياء آخر الحروف وكسر الحاء، وعن أبي حيوة والحسن أيضا أنهما قرآ بالياء التحتية وفتح الحاء وقرأ عبد الله وابن عباس وزيد بن علي والكوفيون وابن عامر «فارهين» بألف بعد الفاء، وقراءة الجمهور أبلغ لما ذكروا في حاذر وحذر وقرأ مجاهد «متفرهين» فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ كأنه عنى بالخطاب جمهور قومه بالمسرفين كبراءهم وأعلامهم في الكفر والإضلال وكانوا تسعة رهط ونسبة الإطاعة إلى الأمر مجاز وهي للآمر حقيقة وفي ذلك من المبالغة ما لا يخفى وكونه لا يناسب المقام فيه بحث. ويجوز أن تكون الإطاعة مستعارة للامتثال لما بينهما من الشبه في الإفضاء إلى فعل ما أمر به أو مجازا مرسلا عنه للزومه له.
ويحتمل أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية، وجوز عليه أن يكون الأمر واحد الأمور وفيه من البعد ما فيه والإسراف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، والمراد به هنا زيادة الفساد وقد أوضح ذلك على ما قيل بقوله تعالى: الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولعل المراد ذمهم بالضلال في أنفسهم بالكفر والمعاصي وإضلالهم غيرهم بالدعوة لذلك، وللإيماء إلى عدم اختصاص شؤم فعلهم بهم حثا على امتثال النهي قيل فِي الْأَرْضِ والمراد بها أرض ثمود، وقيل: الأرض كلها ولما كان يُفْسِدُونَ لا ينافي إصلاحهم أحيانا أردف بقوله تعالى: وَلا يُصْلِحُونَ لبيان كمال إفسادهم وأنه لم يخالطه إصلاح أصلا قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ أي الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقولهم، وقيل: أي من ذوي السحر أي الرئة فهو كناية عن كونه من الأناسي فقوله تعالى: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا على هذا تأكيد له وعلى الأول هو مستأنف للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تميز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك فَأْتِ بِآيَةٍ أي بعلامة على صحة دعواك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيها قالَ هذِهِ ناقَةٌ أي بعد ما أخرجها الله تعالى بدعائه.