غير ملجىء، ثم قال: وهو مناسب لقول الماتريدي العصمة لا تزيل المحنة أي الابتلاء المقتضي لبقاء الاختيار، ومعناه كما في الهداية أنها لا تجبره على الطاعة ولا تعجزه عن المعصية بل هي لطف من الله تعالى تحمله على فعله وتزجره عن الشر مع بقاء الاختيار وتحقيق للابتلاء اه، وهو ظاهر على عدم الاستحالة الذاتية لصدور الذنب، ولعل ما وقع في كلام بعض الأجلة من استحالة وقوع الذنب منهم عليهم السلام محمول على الاستحالة الشرعية كما يؤذن به كلام العلامة ابن حجر في شرح الهمزية، وبالجملة الذي تقتضيه الظواهر ويشهد له العقل أن الأنبياء عليهم يخافون ولا يأمنون مكر الله تعالى لأنه وإن استحال صدور الذنب عنهم شرعا لكنه غير مستحيل عقلا بل هو من الممكنات التي يصح تعلق قدرة الله تعالى بها ومع ملاحظة إمكانه الذاتي وأن الله تعالى لا يجب عليه شيء وقيام احتمال تقييد المطلق بما لم يصرح به لحكمة كالمشيئة لا يكاد يأمن معصوم من مكر الملك الحي القيوم فالأنبياء والملائكة كلهم خائفون ومن خشيته سبحانه عز وجل مشفقون، وليس لك أن تخص خوفهم بخوف الإجلال إذ الظاهر العموم ولا دليل على الخصوص يعول عليه عند فحول الرجال، نعم قد يقال بإمكان حصول الأمن من المكر وذلك بخلق الله تعالى علما ضروريا في العبد بعدم تحقق ما يخاف منه في وقت من الأوقات أصلا لعلم الله تعالى عدم تحققه كذلك وإن كان ممكنا ذاتيا، ولعله يحصل لأهل الجنة لتتم لذتهم فيها فقد قيل:
فإن شئت أن تحيا حياة هنية ... فلا تتخذ شيئا تخاف له فقدا
ولا يبعد حصوله لمن شاء الله تعالى من عباده يوم القيامة قبل دخولها أيضا، ولم تقم أمارة عندي على حصوله في هذه النشأة لأحد والله تعالى أعلم فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك، وروى الإمام عن بعضهم أنه قال معنى الآية:
إني إذا أمرت المرسلين بإظهار معجز فينبغي أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة.
وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ الاستثناء فيه منقطع عند كثير إلا أنه روي عن الفراء والزجاج وغيرهما أن المراد بمن ظلم من أذنب من غير الأنبياء عليهم السلام، قال صاحب المطلع: والمعنى عليه لكن من ظلم من سائر العباد ثم تاب فإني أغفر له، وقال جماعة: إن المراد به من فرطت منه صغيرة ما وصدر منه خلاف الأولى بالنسبة إلى شأنه من المرسلين عليهم السلام.
والمراد استدراك ما يختلج في الصدر من نفي الخوف عن كلهم وفيهم من صدر منه ذلك، والمعنى عليه لكن من صدر منهم ما هو في صورة الظلم ثم تاب فإني أغفر له فلا ينبغي أن يخاف أيضا، وهو شامل على ما قيل لمن فعل منهم شيئا من ذلك قبل رسالته، وخصه بعضهم بمن صدر منه شيء من ذلك قبل النبوة وقال: يؤيده لفظه ثُمَّ فإنها ظاهرة في التراخي الزماني، ولعل الظاهر كونه خاصا بمن صدر منه بعد الرسالة لظهور المرسل في المتلبس بالرسالة لا فيمن يتلبس بها بعد أو الأعم، وكأن فيما ذكر على الوجهين الأولين تعريضا بما وقع من موسى عليه السلام من وكزه القبطي واستغفاره، وتسميته ظلما مشاكلة
لقوله عليه السلام ظلمت نفسي
، ولم يجعلوه على هذا متصلا مع دخول المستثني في المستثنى منه أعني المرسلين مطلقا لأنه لو كان متصلا لزم إثبات الخوف لمن فرطت منه صغيرة ما منهم لاستثنائه من الحكم وهو نفي الخوف عنهم ونفي النفي إثبات وذلك خلاف المراد فلا يكون متصلا بل هو شروع في حكم آخر.
ورجح الطيبي ما قاله الجماعة بأن مقام تلقي الرسالة وابتداء المكالمة مع الكليم يقتضي إزالة الخوف بالكلية وهو ظاهر على ما قالوه، وروى عن الحسن ومقاتل وابن جريج والضحاك ما يقتضي أنه استثناء متصل والظاهر أنهم أرادوا بمن من أراده الجماعة وفي اتصاله على ما سمعت خفاء. وربما يقال: إن من يطلق الاتصال عليه في رأي