مهما تشأ منه فزارة تعطه ... ومهما تشأ منه فزارة يمنعا
وفي الكتاب وهو قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب. وأرادت النملة على ما في الكشاف لا يحطمنكم جنود سليمان فجاءت بما هو أبلغ. ونحوه قوله:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها حيث أراد عجبت من إشفاق نفسي فجاء بما هو أبلغ للإجماع والتفصيل. وتعقب ذلك في البحر بأن فيه القول بزيادة الأسماء وهي لا تجوز بل الظاهر إسناد الحطم إليه عليه السلام وإلى جنوده والكلام على حذف مضاف أي خيل سليمان وجنوده أو نحو ذلك مما يصح تقديره وللبحث فيه مجال وجملة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ حال من مجموع المتعاطفين والضمير لهما.
وجوز أن تكون حالا من الجنود والضمير لهم، وأيا ما كان ففي تقييد الحطم بعدم الشعور بمكانهم المشعر بأنه لو شعروا بذلك لم يحطموا ما يشعر بغاية أدب النملة مع سليمان عليه السلام وجنوده، وليت من طعن في أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله تعالى عنهم تأسى بها فكف عن ذلك وأحسن الأدب،
وروي أن سليمان عليه السلام لما سمع قول النملة: يا أَيُّهَا النَّمْلُ إلخ قال ائتوني بها فأتوا بها فقال لم حذرت النمل ظلمي؟ أما علمت أني نبي عدل فلم قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجنوده فقالت: أما سمعت قولي: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ومع ذلك إني لم أرد حطم النفوس وإنما أردت حطم القلوب خشيت أن يروا ما أنعم الله تعالى به عليك من الجاه والملك العظيم فيقعوا في كفران النعم فلا أقل من أن يشتغلوا بالنظر إليك عن التسبيح فقال لها سليمان عظيني فقالت أعلمت لم سمي أبوك داود؟ قال:
لا قالت: لأنه داوى جراحة قلبه وهل تدري لم سميت سليمان؟ قال: لا قالت: لأنك سليم القلب والصدر. ثم قالت:
أتدري لم سخر الله تعالى لك الريح؟ قال: لا قالت: أخبرك الله تعالى بذلك أن الدنيا كلها ريح فمن اعتمد عليها فكأنما اعتمد على الريح
. وهذا ظاهر الوضع كما لا يخفى وفيه ما يشبه كلام الصوفية والله تعالى أعلم بصحة ما روى من أنها أهدت إليه نبقة وأنه عليه السلام دعا للنمل بالبركة.
وجوز أن تكون جملة هُمْ لا يَشْعُرُونَ في موضع الحال من النملة والضمير للجنود كالضمائر السابقة في قوله تعالى: فَهُمْ يُوزَعُونَ وقوله سبحانه: حَتَّى إِذا أَتَوْا وهي من كلامه تعالى أي قالت ذلك في حال كون الجنود لا يشعرون به وليس بشيء وقد يقرب منه ما قيل إنه يجوز أن تكون الجملة معطوفة على مقدر وهي من كلامه عز وجل كأنه قيل: فهم سليمان ما قالت والجنود لا يشعرون بذلك. وقرأ الحسن وطلحة ومعتمر بن سليمان وأبو سليمان التيمي نملة بضم الميم كسمرة وكذلك النمل كالرجل والرجل لغتان، وعن أبي سليمان التيمي نملة ونمل بضم النون والميم. وقرأ شهر بن حوشب «مسكنكم» على الإفراد. وعن أبي «أدخلن مساكنكن لا يحطمنكن» مخففة النون التي قبل الكاف.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي. ونوح القاضي بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون مضارع حطم مشددا. وعن الحسن بفتح الياء (١) وإسكان الحاء وشد الطاء وعنه كذلك مع كسر الحاء وأصله يحتطمنكم من الاحتطام. وقرأ ابن أبي إسحاق وطلحة ويعقوب وأبو عمرو في رواية عبيد كقراءة الجمهور إلا
(١) قوله وإسكان الحاء كذا بخطه ولعله سبق قلم ففي الكشاف وقرىء لا يَحْطِمَنَّكُمْ بفتح الحاء وكسرها وأصله يحتطمنكم اهـ.