للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: المراد أدخلني في عداد الصالحين واجعلني أذكر معهم إذا ذكروا، وحاصله طلب الذكر الجميل الذي لا يستلزمه عمل الصالح إذ قد يتحقق من شخص في نفس الأمر ولا يعده الناس في عداد الصالحين. وفي هذا الدعاء شمة من دعاء إبراهيم عليه السلام وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: ٨٤] ومقاصد الأنبياء في مثل ذلك أخروية، وقيل: يحتمل أنه أراد بعمل الصالح القيام بحقوق الله عز وجل وأراد بالصلاح في قوله: فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ القيام بحقوقه تعالى وحقوق عباده فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص. وتعيين ما هو الأولى من هذه الأقوال مفوض إلى فكرك والله تعالى الهادي، وكان دعاؤه عليه السلام على ما في بعض الآثار بعد أن دخل النمل مساكنهن،

قال في الكشاف: روي أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فأمر سليمان عليه السلام الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ أي أراد معرفة الموجود منها من غيره، وأصل التفقد معرفة الفقد، والظاهر أنه عليه السلام تفقد كل الطير وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والاهتمام بالرعايا لا سيما الضعفاء منها قيل وكان يأتيه من كل صنف واحد فلم ير الهدهد، وقيل: كانت الطير تظله من الشمس وكان الهدهد يستر مكانه الأيمن فمسته الشمس فنظر إلى مكان الهدهد فلم يره، وعن عبد الله بن سلام أن سليمان عليه السلام نزل بمفازة لا ماء فيها وكان الهدهد يرى الماء في باطن الأرض فيخبر سليمان بذلك فيأمر الجن فتسلخ الأرض عنه في ساعة كما تسلخ الشاة فاحتاجوا إلى الماء فتفقد لذلك الطير فلم يرد الهدهد فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ وهو طائر معروف منتن يأكل الدم فيما قيل ويكنى بأبي الأخبار وأبي الربيع وأبي ثمامة وبغير ذلك مما ذكره الدميري، وتصغيره على القياس هديهد، وزعم بعضهم أنه يقال في تصغيره هداهد بقلب الياء ألفا، وأنشدوا:

كهداهد كسر الرماة جناحه ونظير ذلك دوابه وشوابه في دويبه وشويبه.

والظاهر أن قوله عليه السلام ذلك مبني على أنه ظن حضوره ومنع مانع له من رؤيته أي عدم رؤيتي إياه مع حضوره لأي سبب ألساتر أم لغيره ثم لاح له أنه غائب فاضرب عن ذلك وأخذ يقول: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له، فأم هي المنقطعة كما في قولهم إنها لإبل أم شاء.

وقال ابن عطية: مقصد الكلام الهدهد غاب ولكنه أخذ اللازم من مغيبه وهو أن لا يراه فاستفهم على جهة التوقيف عن اللازم وهذا ضرب من الإيجاز، والاستفهام الذي في قوله: ما لِيَ ناب مناب الهمزة التي تحتاجها أم انتهى.

وظاهره أن أم متصلة والهمزة قائمة مقام همزة الاستفهام فالمعنى عنده أغاب عني الآن فلم أره حال التفقد أم كان ممن غاب قبل ولم أشعر بغيبته والحق ما تقدم، وقيل في الكلام قلب والأصل ما للهدهد لا أراه، ولا يخفى أنه لا ضرورة إلى ادعاء ذلك، نعم قيل هو أوفق بكون التفقد للعناية، وذكر أن اسم هذا الهدهد يعفور، وكون الهدهد يرى الماء تحت الأرض رواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن أبي حاتم وسعيد بن منصور عن يوسف بن ماهك أن ابن عباس حين قال ذلك اعترض عليه نافع بن الأزرق كعادته بأنه كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ ويوضع فيه الحبة وتستر بالتراب فيصطاد فقال رضي الله تعالى عنه إن البصر ينفع ما لم يأت القدر فإذا جاء القدر حال دون البصر فقال ابن الأزرق: لا أجادلك

<<  <  ج: ص:  >  >>