ليريها القدرة التي هي من عند الله تعالى وليغرب عليها. ومن هنا قال في الكشاف: لعله أوحى إليه عليه السلام باستيثاقها من عرشها فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى: من إجراء العجائب على يده مع اطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان عليه السلام ويصدقها انتهى وتقييد الإتيان بقوله:
قَبْلَ إلخ لما أن ذلك أبدع وأغرب وأبعد من الوقوع عادة وأدل على عظيم قدرة الله عز وجل وصحة نبوته عليه السلام وليكون اطلاعها على بدائع المعجزات في أول مجيئها.
وقال الطبري: أراد عليه السلام أن يختبر صدق الهدهد في قوله: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: ٢٣] واستبعد ذلك لعدم احتياجه عليه السلام إلى هذا الاختبار فإن أمارة الصدق في ذلك غاية الوضوح لديه عليه السلام لا سيما إذا صح ما روي عن وهب وغيره. وقيل: أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختبارا لعقلها.
وقال قتادة وابن جريج: إنه عليه السلام أراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإيمان ويمنع أخذ أموالهم. قال في الكشف: فيه أن حل الغنائم مما اختص به نبينا صلّى الله عليه وسلّم، وقال في التحقيق لا يناسب رد الهدية. وتعليله بقوله: فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ. وأجيب بأن هذا ليس من باب أخذ الغنائم وإنما هو من باب أخذ مال الحربي. والتصريف بغير رضاه مع أن الظاهر أنه بوحي فيجوز أنه من خصوصياته لحكمة ولم يكن ذلك هدية لها حتى لا يناسب الرد السابق وفيه بحث، ولعل الألصق بالقلب أن ذاك لينكره فيمتحنها اختبارا لعقلها مع إراءتها بعض خوارقه الدالة على صحة نبوته وعظيم قدرة الله عز وجل. ثم الظاهر أن هذا القول بعد رد الهدية وهو الذي عليه الجمهور.
وفي رواية عن ابن عباس أنه عليه السلام قال ذلك حين ابتدأ النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ ففي ترتيب القصص تقديم وتأخير وأظن أنه لا يصح هذا عن ابن عباس قالَ عِفْرِيتٌ أي خبيث مارد مِنَ الْجِنِّ بيان له إذ يقال للرجل الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه، وقرأ أبو حيوة «عفريت» بفتح العين وقرأ أبو رجاء وأبو السمال وعيسى ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه «عفرية» بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء بعدها ياء مفتوحة بعدها تاء التأنيث، وقال ذو الرمة:
كأنه كوكب في إثر عفرية ... مصوب في سواد الليل منقضب
وقرأت فرقة «عفر» بلا ياء ولا تاء ويقال في لغة طيىء وتميم: عفراة بألف بعدها تاء التأنيث، وفيه لغة سادسة عفارية وتاء عفريت زائدة للمبالغة في المشهور. وفي النهاية الياء في عفرية وعفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة والهاء فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل اهـ. واسم هذا العفريت على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس صخر.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن شعيب الجبائي أن اسمه كوزن. وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد ابن رومان أن اسمه كوزي. وقيل: اسمه ذكوان أَنَا آتِيكَ بِهِ أي بعرشها، وآتي يحتمل أن يكون مضارعا وأن يكون اسم فاعل.
قيل: وهو الأنسب بمقام ادعاء الإتيان به في المدة المذكورة في قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ أي من مجلسك الذي تجلس فيه للحكومة وكان عليه السلام يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم قاله قتادة ومجاهد ووهب وزهير بن محمد وقيل: أي قبل أن تستوي من جلوسك قائما وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ لا ينتقل على حمله.
والقوة صفة تصدر عنها الأفعال الشاقة ويطيق بها من قامت به لتحمل الأجرام العظيمة ولذا اختير قوي على قادر هنا، وظاهر كلام بعضهم أن في الكلام حذفا فمنهم من قال: أي على حمله ومنهم قال: أي على الإتيان به، ورجح الثاني