وجوز أن يكون لبيان منشأ غلبة الظن بأنه عرشها والداعي إلى حسن الأدب في محاورته عليه السلام أي وأوتينا العلم بإتيانك بالعرش من قبل الرؤية أو من قبل هذه الحالة بالقرائن أو الأخبار وكنا من ذلك الوقت مؤمنين، والتعبير بنون العظمة جار على سنن تعبيرات الملوك وفيه تعظيم لأمر إسلامها وليس ذاك لإرادة نفسها ومن معها من قومها إذ يبعده قوله تعالى: وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وهو بيان من جهته عز وجل لما كان يمنعها من إظهار ما ادعت من الإسلام إلى الآن أي صدها عن إظهار ذلك يوم أوتيت العلم الذي يقتضيه عبادتها القديمة للشمس، فما مصدرية والمصدر فاعل صد، وجوز كونها موصولة واقعة على الشمس وهي فاعل أيضا والإسناد مجازي على الوجهين.
وقوله تعالى: إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ تعليل لسببية عبادتها المذكورة للصد أي إنها كانت من قوم راسخين في الكفر فلذلك لم تكن قادرة على إظهار إسلامها وهي بين ظهرانيهم إلى أن حضرت بين يدي سليمان عليه السلام. وقرأ سعيد بن جبير وابن أبي عبلة «أنها» بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل أي لأنها أو جعل المصدر بدلا من فاعل صد بدل اشتمال. وقيل: قوله تعالى: وَأُوتِينَا إلخ من كلام قوم سليمان عليه السلام كأنهم لما سمعوها أجابت السؤال بقولها: كَأَنَّهُ هُوَ قالوا. قد أصابت في جوابها فطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله عز وجل وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها وعطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا العلم بالله تعالى وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده سبحانه قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام، وكان هذا منهم شكرا لله تعالى على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله تعالى والإسلام قبلها، ويومىء إلى هذا المطوي جعل علمهم وإسلامهم قبلها، وقوله تعالى: وَصَدَّها إلخ على هذا يحتمل أن يكون من تتمة كلام القوم.
ويحتمل أن يكون ابتداء أخبار من جهته عز وجل. وعن مجاهد وزهير بن محمد أن وَأُوتِينَا من كلام سليمان عليه السلام، وفي وَصَدَّها إلخ عليه أيضا احتمال، ولا يخفي ما في جعل وَأُوتِينَا إلخ من كلام القوم أو من كلام سليمان عليه السلام من البعد والتكلف وليس في ذلك جهة حسن سوى اتساق الضمائر المؤنثة.
وقيل: إن وَأُوتِينَا إلخ من تتمة كلامها. وقوله تعالى: وَصَدَّها إلخ ابتداء أخبار من جهته تعالى لبيان حسن حالها وسلامة إسلامها عن شوب الشرك بجعل فاعل صدها ضميره عز وجل أو ضمير سليمان عليه السلام.
وما مصدرية أو موصولة قبلها حرف جر مقدر أي صدها الله تعالى أو سليمان عن عبادتها من دون الله أو عن الذي تعبده من دونه تعالى. ونقل ذلك أبو حيان عن الطبري وتعقبه بقوله: وهو ضعيف لا يجوز إلا في الشعر نحو قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا وليس من مواضع حذف حرف الجر.
وأنت تعلم أن المعنى مع هذا مما لا ينشرح له الصدر، وأبعد بعضهم كل البعد فزعم أن قوله تعالى:
وَصَدَّها إلخ متصل بقوله سبحانه: أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ والواو فيه للحال وقد مضمرة وفي البحر أنه قول مرغوب عنه لطول الفصل بينها ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة. ولعمري من أنصف رأى أن ما ذكر مما لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى المجيد، وأنا أقول بعد القيل والقال: إن وجه ربط هذه الجمل مما يحتاج إلى تدقيق النظر فليتأمل والله تعالى الموفق.
لَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
استئناف بياني كأنه قيل فماذا قيل لها بعد الامتحان المذكور؟ فقيل: يلَ لَهَا