شأن انتهى، ولعل جعل ذلك تخلصا من قصص الأنبياء عليهم السلام إلى ما جرى له صلى الله تعالى عليه وسلّم مع المشركين أولى، وأبعد الأقوال باتصاله بما قبله، وجعل ذلك أمرا للوط عليه السلام بأن يحمده تعالى على إهلاك كفرة قومه، وأن يسلم على من اصطفاه بالعصمة عن الفواحش والنجاة عن الهلاك لعدم ملاءمته لما بعده واحتياجه إلى تقدير وقلنا له، وعزا هذا القول ابن عطية للفراء، وقال: هذه عجمة من الفراء، والظاهر أن سَلامٌ مبتدأ وما بعده خبره، والجملة معطوفة على الْحَمْدُ لِلَّهِ داخلة معه في حيز القول.
وقرأ أبو السمال «الحمد لله» بفتح اللام آللَّهُ بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا والأصل أالله. خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ والظاهر أن (ما) موصولة والعائد محذوف أي (الله) الذي ذكرت شؤونه العظيمة خير أم الذي يشركونه من الأصنام، وخَيْرٌ أفعل تفضيل ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته عز وجل وتسفيه آرائهم الركيكة والتهكم بهم إذ من البين أن ليس فيما أشركوه به سبحانه شائبة خير حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض، وقيل: خَيْرٌ ليست للتفضيل مثلها في قولك: الصلاة خير تعني خيرا من الخيور، والمختار الأول، واستظهره أبو حيان، وقال: كثيرا ما يجيء هذا النوع من أفعل التفضيل حيث يعلم ويتحقق أنه لا شركة هناك، وإنما يذكر على سبيل إلزام الخصم وتنبيهه على الخطأ ويقصد بالاستفهام في مثل ذلك إلزامه الإقرار بحصر التفضيل في جانب واحد وانتفائه عن الآخر، واستظهر أيضا كون المراد بالخيرية الخيرية في الذات، وقيل: الخيرية فيما يتعلق بها، وفي الكلام حذف في موضعين، والتقدير أعبادة الله تعالى خير أم عبادة ما يشركون، وقيل:(ما) مصدرية والحذف في موضع واحد، والتقدير أتوحيد الله خير أم إشراكهم ولا داعي لجميع ذلك، وأيا ما كان فضمير الغائب لقريش ونحوهم من المشركين، وقيل: لأولئك المهلكين وليس بشيء، وقرأ الأكثرون- تشركون- بالتاء الفوقانية على توجيه الخطاب لمن ذكرنا من الكفرة وهو الأليق بما بعده من سياق النظم الكريم، وجعل أبو البقاء هذه الجملة من جملة القول المأمور به، وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى: فَأَنْبَتْنا إلخ فإنه صريح في أن التبكيت من قبله عز وجل بالذات، وحمله على أنه حكاية منه عليه الصلاة والسلام لما أمر به بعبادته كما في قوله سبحانه: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر: ٥٣] ، تعسف ظاهر من غير داع إليه،
وفي بعض الآثار أنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان إذا قرأ هذه الآية قال: بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم
، و (أم) في قوله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ منقطعة لا متصلة كالسابقة، وبل المقدرة على القراءة الأولى وهي قراءة الحسن وقتادة وعاصم وأبي عمرو للإضراب والانتقال من التبكيت تعريضا إلى التصريح به خطابا على وجه أظهر منه لمزيد التأكيد والتشديد، وأما على القراءة الثانية فلتثنية التبكيت وتكرير الإلزام كنظائرها الآتية، والهمزة لحملهم على الإقرار بالحق الذي لا محيص لمن له أدنى تمييز عن الإقرار به، ومن مبتدأ خبره محذوف مع أم المعادلة للهمزة تعويلا على ما سبق في الاستفهام الأول خلا- أن تشركون- المقدر هاهنا بتاء الخطاب على القراءتين معا، وهكذا في المواضع الأربعة الآتية، والمعنى أم من خلق قطري العالم الجسماني ومبدأي منافع ما بينهما وَأَنْزَلَ لَكُمْ التفات إلى خطاب الكفرة على القراءة الأول لتشديد التبكيت والإلزام، واللام تعليلية أي وأنزل لأجلكم ومنفعتكم مِنَ السَّماءِ ماءً أي نوعا منه وهو المطر فَأَنْبَتْنا بِهِ بمقتضى الحكمة لا أن الإنبات موقوف عليه عقلا، وقيل: أي أنبتنا عنده حَدائِقَ جمع حديقة وهي كما في البحر البستان سواء أحاط به جدار أم لا، وهو ظاهر إطلاق تفسير ابن عباس حيث فسر الحدائق لابن الأزرق بالبساتين ولم يقيد، وقال الزمخشري: هي البستان عليه حائط من الإحداق وهو الإحاطة، وهو مروي عن الضحاك، وقال الراغب:
هي قطعة من الأرض ذات ماء سميت حديقة تشبيها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها، ولعل الأظهر ما في