للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على المصدرية، وجل الإضافة للعهد، وكون المعنى كما قال المورد: يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق وأمر التوهم على طرف الثمام وأيا ما كان فالضمير المجرور عائد على الرب سبحانه وعوده على القرآن على أن المعنى يحكم بالحكم الذي تضمنه القرآن واشتمل عليه من إثابة المحق وتعذيب المبطل وحينئذ لا يحتاج إلى كثرة القيل والقال لا يخفى ما فيه من القيل والقال على من له أدنى تمييز بأساليب المقال وَهُوَ الْعَزِيزُ فلا يرد حكمه سبحانه وقضاؤه جل جلاله الْعَلِيمُ بجميع الأشياء التي من جملتها ما يقضي به، والفاء في قوله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ لترتيب الأمر على ما ذكر من شؤونه عز وجل فإنها موجبة للتوكل عليه تعالى وداعية إلى الأمر به وفي ذكره تعالى بالاسم الجامع تأييد لذلك أي فتوكل على الله الذي هذا شأنه فإنه يوجب على كل أحد أن يتوكل عليه ويفوض جميع أموره إليه جل وعلا، وقوله تعالى:

إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ تعليل صريح للتوكل عليه تعالى بكونه عليه الصلاة والسلام على الحق البين، أو الفاصل بينه وبين الباطل. أو بين المحق والمبطل فإن كونه صلّى الله تعالى عليه وسلّم كذلك مما يوجب الوثوق بحفظه تعالى ونصرته وتأييده لا محالة، وقوله سبحانه: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى إلخ تعليل آخر للتوكل الذي هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه سبحانه والإعراض عن التشبث بما سواه وقد علل أولا بما يوجبه من جهته تعالى أعني قضاءه عز وجل بالحق وعزته وعلمه تبارك وتعالى، وثانيا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين أعني كونه صلّى الله تعالى عليه وسلّم على الحق ومن جهته تعالى على الوجه الآخر أعني إعانته تعالى وتأييده تعالى للمحق، ثم علل ثالثا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى، فإن كونهم كالموتى والصم والعمي موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا، وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى، وهو المعني بالتوكل عليه جل شأنه، وجوز أن يكون قوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ إلخ استئنافا بيانيا وقع جوابا لسؤال نشأ مما قبله، أعني إنك على الحق المبين كأنه قيل: ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق المبين فقيل: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى إلخ.

وتعقب بأنه يأباه السياق، واعترض بالمنع وإنما شبهوا بالموتى على ما قيل لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم من القوارع، وإطلاق الأسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات، وقيل: لعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها [الأعراف: ١٧٩] ، وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمي مزيد مزية وكأنه لهذا قال في البحر: أي موتى القلوب، أو شبهوا بالموتى لأنهم لا ينتفعون بما يتلى عليهم فقدم احتمال نسبة الموت إلى قلوبهم.

وتعقب بأن ما ذكر تخيل بارد لأن القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع، وما ذكر أولا من أنهم أنفسهم شبهوا بالموتى هو الظاهر، ووجهه أنه على طريق التسليم والنظر لأحوالهم كأنه قيل: كيف تسمعهم الإرشاد إلى طريق الحق وهم موتى وهذا بالنظر لأول الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضا لأنهم صم، وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ونفرتهم عنه، ثم إنا لو أسمعناهم أيضا فهم عمي لا يهتدون إلى العمل بما يسمعون، وهذا خاتمة أمرهم، ويعلم من هذا ما في ذلك من مزيد المزية الخالية عن التكلف.

وجوز أن يكون التشبيه لطوائف على مراتبهم في الضلال، فمنهم من هو كالميت ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى، وهو وإن كان وجها خفيف المئونة إلا أنه خلاف الظاهر أيضا وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ أي الدعوة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>