للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوز أيضا أن يكون المراد بالكلم الجرح بمعنى الوسم،

فقد روي أنها تسم جبهة الكافر،

وفي رواية أخرى أنها تحطم أنفه بعصا موسى عليه السلام التي معها

، واختار بعضهم كون المراد به ما ذكر لما

في حديث أخرجه نعيم بن حماد وابن مردويه عن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعا ليس ذلك بحديث ولا كلام ولكنه سمة تسم من أمرها الله تعالى

، وسأل أبو الحوراء ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هل ما في الآية تكلمهم أو تكلمهم؟ فقال كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر تجرحه، والظاهر أن الضمائر على تقدير أن يراد بالكلم الجرح، والوسم راجعة إلى الكفرة على الإطلاق دون المحدث عنهم فيما سبق إذ لا معنى لوسمها إياهم، ويتعين أن يراد بالناس أولئك الكفرة الذين عادت عليهم الضمائر، ولعل المعنى تسمهم لأنهم كانوا في علمنا بآياتنا لا يوقنون، وقرأ ابن مسعود- بأن- وجعلت مؤيدة لكون التكليم من الكلام وهو مبني على الظاهر وإلا فالباء تحتمل أن تكون للسببية فتلائم كونه من الكلم بمعنى الجرح، وقرأ بعض السبعة- إن- بكسر الهمزة، وخرج على إضمار القول. أو إجراء التكليم من الكلام مجراه، أو على أن الكلام استئناف مسوق من جهته سبحانه للتعليل فتدبر.

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا بيان إجمالي لحال المكذبين عند قيام الساعة بعد بيان بعض مباديها، ويَوْمَ منصوب بفعل مضمر خوطب به نبينا صلّى الله عليه وسلّم أي اذكر يوم، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مر بيان سره مرارا، والمراد بهذا الحشر الحشر للتوبيخ والعذاب بعد الحشر الكلي الشامل لكافة الخلق وهو المذكور فيما بعد من قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ [النمل: ٨٧] إلى آخره، ولعل تقديم ما تضمن هذا على ما تضمن ذلك دون العكس مع أن الترتيب الوقوعي يقتضيه للإيذان بأن كلا مما تضمنه هذا وذاك من الأحوال طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل داهية واحدة قد أمر بذكرها كما مر في سورة البقرة مع أن الأنسب بذكر أن الكفرة لا يوقنون بالآيات المراد به أنهم يكذبون بها أن يذكر بعده ما تضمن التوبيخ منه عز وجل والتعذيب على ذلك التكذيب، ومن الثانية بيانية جيء بها لبيان فَوْجاً، ومن الأولى تبعيضية لأن كل أمة منقسمة إلى مصدق ومكذب، أي ويوم نجمع من كل أمة من أمم الأنبياء عليهم السلام أو من أهل كل قرن من القرون جماعة كثيرة مكذبة بآياتنا فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا في موقف التوبيخ والمناقشة، وفيه من الدلالة على كثرة عددهم وتباعد أطرافهم ما لا يخفى، وقيل: مِنْ الثانية تبعيضية كالأولى، والمراد بالفوج جماعة من الرؤساء المتبوعين للكفرة، وعن ابن عباس أبو جهل والوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة يساقون بين يدي أهل مكة وهكذا يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار وهذه الآية من أشهر ما استدل بها الإمامية على الرجعة.

قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال: إن دخول مِنْ في الكلام يوجب التبعيض فدل بذلك على أنه يحشر قوم دون قوم وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف: ٤٧] ، وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلّى الله تعالى عليه وسلّم في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب بالقتل على أيدي شيعته أو الذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته.

ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه وقد فعل الله تعالى ذلك في الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره عليه السلام،

وصح عن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>