واحد إلى أن تبديل الأرض كالبروز بعد النفخة الثانية لما
في صحيح مسلم عن عائشة «قلت يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فأين يكون الناس؟ قال على الصراط»
وجاء في غير خبر ما يدل على أنه قبل النفخة الأولى، وجمع صاحب الإفصاح بين الاخبار بأن التبديل يقع مرتين مرة قبل النفخة الأولى وأخرى بعد النفخة الثانية، وحكى في البحر أن أول الصفات ارتجاجها ثم صيرورتها كالعهن المنفوش ثم كالهباء بأن تتقطع بعد أن كانت كالعهن ثم نسفها بإرسال الرياح عليها ثم تطييرها بالريح في الجو كأنها غبار ثم كونها سرابا، وهذا كله على ما يقتضيه كلام السفاريني قبل النفخة الثانية، ومن تتبع الأخبار وجدها ظاهرة في ذلك، والآية هنا تحتمل كون الرؤية المذكورة فيها قبل النفخة الثانية وكونها قبلها فتأمل صُنْعَ اللَّهِ الظاهر أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة وهي جملة الحال والعامل فيه ما دلت عليه من كون ذلك من صنعه تعالى فكأنه قيل: صنع الله تعالى ذلك صنعا وهذا نحو له عليّ ألف عرفا ويسمى في اصطلاحهم المؤكد لنفسه وإلى هذا ذهب الزجاج وأبو البقاء.
وقال بعض المحققين: مؤكد لمضمون ما قبله على أنه عبارة عما ذكر من النفخ في الصور وما ترتب عليه جميعا قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل وتهويل أمرها والإيذان بأنها ليست بطريق إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يكون فيه حكمة بل هي من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التي لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادئ الإبداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى: الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
أي أتقن خلقه وسواه على ما تقتضيه الحكمة اهـ، وحسنه ظاهر.
وقال الزمخشري هو من المصادر المؤكدة إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ والمعنى ويوم ينفخ في الصور فكان كيت وكيت أثاب الله تعالى المحسنين وعاقب المجرمين ثم قال سبحانه: صنيع الله يريد عز وجل به الإثابة والمعاقبة إلى آخر ما قال، وهو يدل على أنه فرض اليوم ممتدا شاملا لزمان النفختين وما بعدهما وجعل المصدر مؤكدا لهذا المحذوف المدلول عليه بالتفصيل في قوله تعالى الآتي: من جاء ومن جاء وباستدعاء يوم ينفخ ناصبا وفرع عليه ما فرع وتعقبه أبو حيان بأن المصدر المؤكد لمضمون الجملة لا يجوز حذف جملته لأنه منصوب بفعل من لفظه فيجتمع حذف الفعل الناصب وحذف الجملة التي أكد مضمونها بالمصدر وذلك حذف كثير مخل ومن تتبع مساق هذه المصادر التي تؤكد مضمون الجملة وجد الجمل مصرحا بها لم يرد الحذف في شيء منها إذا الأصل أن لا يحذف المؤكد إذ الحذف ينافي التأكيد لأنه من حيث أكد معتنى به ومن حيث حذف غير معتنى به، وكأن الداعي له إلى العدول عن الظاهر على ما قيل إن الصنع المتقن لا يناسب تسيير الجبال ظاهرا وأنت تعلم أن هذا على طرف الثمام نعم الأحسن جعله مؤكدا لمضمون ما ذكر من النفخ في الصور وما بعده وجيء به للتنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل على ما سمعته عن بعض المحققين. وقيل هو منصوب على الإغراء بمعنى انظروا صنع الله وهو كما ترى.
واستدل بالآية على جواز إطلاق الصانع على الله عز وجل وهو مبني على مذهب من يرى أن ورود الفعل كاف.
واستدل بعضهم على الجواز المذكور
بالخبر الصحيح «إن الله صانع كل صانع وصنعته»
وتعقب بأن الشرط أن لا يكون الوارد على جهة المقابلة نحو أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة: ٦٤] خلافا للحليمي على ما يقتضيه قوله يستحب لمن ألقى بذرا في أرض أن يقول الله تعالى الزارع والمنبت والمبلغ، وما في هذا الحديث من هذا القبيل وأيضا ما في الخبر بالإضافة فلا يدل على جواز الخالي عنها ألا ترى أن
قوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم يا صاحب كل نجوى أنت الصاحب في السفر
لم يأخذوا منه أن الصاحب من غير قيد من أسمائه تعالى فكذا هو لا يؤخذ منه أن الصانع من غير قيد من أسمائه تعالى فتأمله، ونحو هذا الاستدلال
بخبر مسلم «ليعزم في الدعاء فإن الله