للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث تأمنين عليه ويومىء إلى القرب السياق، وقيل التعبير باسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال ويعتبر لذلك في قوله سبحانه: وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ولا يضر تفاوت القربين، والجملة تعليل للنهي عن الخوف والحزن، وإيثار الجملة الاسمية وتصديرها بحرف التحقيق للاعتناء بتحقيق مضمونها أي إنا فاعلون ردّه، وجعله من المرسلين لا محالة، واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعرا فقالت: أبعد قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى الآية فصاحة وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. والفاء في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فصيحة والتقدير ففعلت ما أمرت به من إرضاعه وإلقائه في اليم لما خافت عليه، وحذف ما حذف تعويلا على دلالة الحال وإيذانا بكمال سرعة الامتثال.

روي أنها لما ضربها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها، فلما وقع موسى عليه السلام على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها بحيث منعها من السعاية فقالت لأمه:

احفظيه، فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة وألقته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها، فطلبوا فلم يجدوا شيئا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردا وسلاما فأخذته، فلما ألح فرعون في طلب الولدان واجتهد العيون في تفحصها أوحى الله تعالى إليها ما أوحى، وأرضعته ثلاثة أشهر، أو أربعة، أو ثمانية على اختلاف الروايات، فلما خافت عليه عمدت إلى بردي فصنعت منه تابوتا أي صندوقا فطلته بالقار من داخله. وعن السدي أنها دعت نجارا، فصنع لها تابوتا، وجعلت مفتاحه من داخل، ووضعت موسى عليه السلام فيه وألقته في النيل بين أحجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه فأدخلنه إليها وظنن أن فيه مالا، فلما فتحنه رأته آسية ووقعت عليه رحمتها فأحبته، وأراد فرعون قتله فلم تزل تكلمه حتى تركه لها

. وروي عن ابن عباس وغيره أنه كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس إليه، وكان بها برص شديد أعيا الأطباء، وكان قد ذكر له أنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس يوم كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل ومعه امرأته آسية وأقبلت بنته في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل فإذا بتابوت تضربه الأمواج فتعلق بشجرة فقال فرعون ائتوني به فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه وقصدوا كسره فأعياهم فنظرت آسية فكشف لها عن نور في جوفه لم يره غيرها فعالجته ففتحته فإذا صبي صغير فيه وله نور بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فألقى الله تعالى محبته عليه السلام في قلبها وقلوب القوم وعمدت بنت فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها.

وقيل: لما نظرت إلى وجهه برأت فقالت الغواة من قوم فرعون إنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمي في البحر خوفا منك فاقتله فهمّ أن يقتله فاستوهبته آسية فتركه كما سيأتي إن شاء الله تعالى والأخبار في هذه القصة كثيرة، وقد قدمنا منها ما قدمنا، وآل فرعون أتباعه وقولهم: إن الآل لا يستعمل إلا فيما فيه شرف مبني على الغالب أو الشرف فيه أعم من الشرف الحقيقي والصوري ومعنى التقاطهم إياه عليه السلام أخذهم إياه عليه السلام أخذ اللقطة أي أخذ اعتناء به وصيانة له عن الضياع لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً فيه استعارة تهكمية ضرورة أنه لم يدعهم للالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا وإنما دعاهم شيء آخر كالتبني ونفعه إياهم إذا كبر.

وفي تحقيق ذلك أقوال الأول أن يشبه كونه عدوّا وحزنا بالعلة الغائية كالتبني والنفع تشبيها مضمرا في النفس ولم يصرح بغير المشبه ويدل على ذلك بذكر ما يخص المشبه به وهو لام التعليل فيكون هناك استعارة مكنية أصلية

<<  <  ج: ص:  >  >>