للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت فرقة: فارغا من الصبر وقال ابن زيد: فارغا من وعد الله تعالى ووحيه سبحانه إليها تناست ذلك من الهم. وقال أبو عبيدة: فارغا من الهم إذ لم يغرق وسمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه كما يقال فلان فارغ البال وقال بعضهم:

فارغا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد عدوه فرعون كقوله تعالى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: ٤٣] أي خلاء لا عقول فيها واعترض على القولين بأن الكلام عليهما لا يلائم ما بعده وفيه نظر، وقرأ أحمد بن موسى عن أبي عمرو- فواد- بالواو وقرأ- مؤسى- بهمزة بدل الواو، وقرأ فضالة بن عبيد والحسن ويزيد ابن قطيب وأبو زرعة بن عمرو بن جرير- فزعا- بالزاي والعين المهملة من الفزع وهو الخوف والقلق، وابن عباس قرعا بالقاف وكسر الراء وإسكانها من قرع رأسه إذا انحسر شعره كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى عليه السلام، وقيل: قرعا بالسكون مصدر أي قرع قرعا من القارعة وهو الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة فزغا (١) بفاء مكسورة وزاي ساكنة وغين معجمة ومعناه ذاهبا هدرا والمراد هالكا من شدة الهم كأنه قتيل لا قود ولا دية فيه، ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال:

فإن يك قبلي قد أصيبت نفوسهم ... فلن يذهبوا فزغا بقتل حبال

وقرأ الخليل بن أحمد- فرغا- بضم الفاء والراء إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي أنها كادت إلخ على أن إن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة أو ما كادت إلا تبدي به على أن إن نافية واللام بمعنى إلا وهو قول كوفي والإبداء إظهار الشيء وتعديته بالباء لتضمينه معنى التصريح، وقيل: المفعول محذوف والباء سببية أي تبدي حقيقة الحال بسببه أي بسبب ما عراها من فراقه، وقيل: هي صلة أي تبديه وكلا القولين كما ترى، والظاهر أن الضمير المجرور لموسى عليه السلام، والمعنى أنها كادت تصرح به عليه السلام وتقول وا ابناه من شدة الغم والوجد رواه الجماعة عن ابن عباس، وروي ذلك أيضا عن قتادة والسدي وعن مقاتل أنها كادت تصيح وا ابناه عند رؤيتها تلاطم الأمواج به شفقة عليه من الغرق، وقيل: المعنى أنها كادت تظهر أمره من شدة الفرح بنجاته وتبني فرعون إياه، وقيل: الضمير للوحي إنها كادت تظهر الوحي وهو الوحي الذي كان في شأنه عليه السلام المذكور في قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ الآية وهو خلاف الظاهر ولا تساعد عليه الروايات لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها أي بما أنزلنا عليه من السكينة والمراد لولا أن ثبتنا قلبها وصبرناها، فالربط على القلب مجاز عن ذلك، وجواب لولا محذوف دل عليه إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدته، وقيل: لكادت تبدي به، وقوله تعالى: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ علة للربط على القلب، والإيمان بمعنى التصديق أي صبرناها وثبتنا قلبها لتكون راسخة في التصديق بوعدنا بأنا رادوه إليها وجاعلوه من المرسلين، ومن جعل الفراغ من الهم والحزن وكيدودة الإبداء من الفرح بتبنيه عليه السلام الذي هو فرح مذموم جعل الإيمان بمعنى الوثوق كما في قولهم على ما حكى أبو زيد ما آمنت أن أجد صحابة أي ما وثقت وحقيقته صرت ذا أمن أي ذا سكون وطمأنينة، وقال: المعنى لولا أن ربطنا على قلبها وسكنا قلقه الكائن من الابتهاج الفاسد لتكون من الواثقين بوعد الله تعالى المبتهجين بما يحق الابتهاج به وَقالَتْ لِأُخْتِهِ مريم وقيل: كلثمة وقيل:

كلثوم. والتعبير عنها بأخوته دون أن يقال لبنتها للتصريح بمدار المحبة الموجبة للامتثال بالأمر قُصِّيهِ أي اتبعي أثره وتتبعي خبره، والظاهر أن هذا القول وقع منها بعد أن أصبح فؤادها فارغا فإن كانت لم تعرف مكانه إذ ذاك فظاهر وإن


(١) قوله فزغا هنا وفي البيت وقوله وزاي ساكنة إلخ هكذا بخطه رحمه الله وفي الكشاف والشهاب فرغا بالراء المهملة والغين المعجمة والبيت أورده في اللسان بالراء المهملة والغين أيضا ومع هذا فمادة فزغ بالزاي والغين المعجمة ليست موجودة في كلامهم اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>