الترتيب، وكون ما فعل بموسى وأمه عليهما السلام جزاء على العمل باعتبار التغليب. وقد يقال: إن أصل النبوة وإن لم تكن جزاء على العمل إلا أن بعض مراتبها، وهو ما فيه مزيد قرب من الله تعالى يكون باعتبار مزيد القرب جزاء عليه ويرجع ذلك إلى أن مزيد القرب هو الجزاء وتفاوت الأنبياء عليهم السلام في القرب منه تعالى مما لا ينبغي أن يشك فيه، ورجح ما تقدم بكونه أوفق بقوله تعالى: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ واستلزامه حصول النبوة لكل محسن ليس بشيء أصلا، ومن ذهب إلى أن هذا الإيتاء كان قبل الهجرة قال: يجوز أن يكون المعنى آتيناه رياسة بين قومه بني إسرائيل بأن جعلناه ممتازا فيما بينهم، يرجعون إليه في مهامهم، ويمتثلونه إذا أمرهم بشيء أو نهاهم عنه، وعلما ينتفع به وينفع به غيره، وذلك إما بمحض الإلهام، أو بتوفيقه لاستنباط دقائق وأسرار مما نقل إليه من كلمات آبائه الأنبياء عليهم السلام من بني إسرائيل ولا بدع في أن يكون عليه السلام عالما بما كان عليه آباؤه الأنبياء منهم وبما كانوا يتدينون به من الشرائع بواسطة الإلهام أو بسماع ما يفيده العلم من الأخبار، ولعل هذا أولى مما نقله في الكشاف. وفي الكلام على أواخر سورة البقرة ما تنفعك مراجعته فليراجع.
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ قال ابن عباس على ما في البحر: هي منف عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها أي في وقت لا يعتاد دخولها، أو لا يتوقعونه فيه، وكان على ما روي عن الحبر وقت القائلة، وفي رواية أخرى عنه بين العشاء والعتمة وذلك أن فرعون ركب يوما وسار إلى تلك المدينة فعلم موسى عليه السلام بركوبه فلحق ودخل المدينة في ذلك الوقت. وقال ابن إسحاق: هي مصر، كان موسى عليه السلام قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون، فاختفى وغاب، فدخلها متنكرا. وقال ابن زيد: كان فرعون قد أخرجه منها فغاب سنين فنسي فجاء ودخلها وأهلها في غفلة بنسيانهم له، وبعد عهدهم به. وقيل: دخل في يوم عيد وهم مشغولون بلهوهم. وقيل: خرج من قصر فرعون ودخل مصر وقت القيلولة أو بين العشاءين، وقيل: المدينة عين شمس، وقيل: قرية على فرسخين من مصر يقال لها: حابين.
وقيل: هي الإسكندرية، والأشهر أنها مصر، ولعله هو الأظهر والمتبادر أن- على حين- متعلق بدخل، وعليه فالظاهر أن على بمعنى في مثلها في قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [البقرة: ١٠٢] على قول.
وقال أبو البقاء: هو في موضع الحال من المدينة، ويجوز أن يكون في موضع الحال من الفاعل أي مختلسا اهـ ولعل الذي دعاه إلى العدول عن المتبادر احتياجه إلى جعل على بمعنى في وخفاء نكتة التعبير بها دونها أو الاكتفاء بالظرف وحده عليه والأمر ظاهر لمن له أدنى تأمل وقيل: إن الداعي إلى ذلك أن دخول المدينة في حين غفلة من أهلها ليس نصا في دخولها غافلا أهلها كما في وجه الحالية من المدينة ولا في دخولها مختلسا كما في وجه الحالية من الضمير فإن وقت الغفلة كوقت القائلة وما بين العشاءين قد لا يغفل فيه وفيه بحث.
ومِنْ أَهْلِها في موضع الصفة لغفلة وما في النظم الكريم أبلغ من غفلة أهلها بالإضافة لما في التنوين من إفادة التفخيم، ولعله عدل عن ذلك إلى ما ذكر لهذا فتدبر، وقرأ أبو طالب القارئ- على حين- بفتح النون ووجه بأنه فتح لمجاورة الغين كما كسر في بعض القراءات الدال في الحمد لله لمجاورة اللام أو بأنه أجرى المصدر مجرى الفعل كأنه قيل: على حين غفل أهلها فبنى حين كما يبني إذا أضيف إلى الجملة المصدرة بفعل ماض نحو قوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا وهو كما ترى فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أي يتحاربان والجملة صفة لرجلين. وقال ابن عطية: في موضع الحال وهو مبني على مذهب سيبويه من جواز مجيء الحال من النكرة من غير شرط، وقرأ نعيم بن ميسرة يقتلان