وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي المعاد الذي يقول به المسلمون وما يتبعه عندهم وَالْمَلائِكَةِ أي وآمن بهم وصدق بأنهم عباد مكرمون لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ومنهم المتوسطون بينه تعالى وبين أنبيائه عليهم الصلاة والسلام بإلقاء الوحي وإنزال الكتب وَالْكِتابِ أي جنسه فيشمل جميع- الكتب- الإلهية لأن البر الإيمان بجميعها وهو الظاهر الموافق لقرينه، ولما
ورد في الحديث «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله»
أو القرآن لأنه المقصود بالدعوة والكامل الذي يستأهل أن يسمى كتابا والإيمان به الإيمان بجميع الكتب لكونه مصدقا لما بين يديه، وقيل: التوراة ويبعده عدم ظهور القرينة المخصصة لها وأن الإيمان بها لا يستلزم الإيمان بالجميع إلا باعتبار استلزامه الإيمان بالقرآن، والإيمان بالكتب أن يؤمن بأنها كلام الرب جل شأنه منزهة عن الحدوث منزلة على ذويها ظاهرة لديهم حسبما اقتضته الحكمة من اللغات وَالنَّبِيِّينَ أي جميعهم من غير تفرقة بين أحد منهم كما فعل أهل الكتابين والإيمان بهم أن يصدق بأنهم معصومون مطهرون وأنهم أشرف الناس حسبا ونسبا وأن ليس فيهم وصمة ولا عيب منفر ويعتقد أن سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع والتمسك بها لازم لجميع المكلفين إلى يوم القيامة.
وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ حال من ضمير آتى، والضمير المجرور للمال- أي أعطى المال كائنا على حب المال- والتقييد لبيان أفضل أنواع الصدقة
فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم [الواقعة: ٨٣] قلت لفلان كذا لفلان كذا إلا وقد كان لفلان»
وفي هذا إيذان بأن درجات الثواب تتفاوت حسب تفاوت المراتب في الحب حتى أن صدقة الفقير والبخيل أفضل من صدقة الغني والكريم إلا أن يكونا أحب للمال منهما، ويؤيد ذلك
قوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل الأعمال أحمزها»
وجوز رجوع الضمير لله تعالى أو للمصدر المفهوم من الفعل والتقييد حينئذ للتكميل، وبيان اعتبار الإخلاص أو طيب النفس في الصدقة ودفع كون إيتاء المال مطلقا برا، والأول هو المأثور عن السلف الصالح، ولعله المروي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذَوِي الْقُرْبى مفعول أول ل آتَى قدم عليه مفعوله «الثاني» للاهتمام أو لأن فيه مع «ما» عطف عليه طولا لو روعي الترتيب لفات تجاوب الأطراف، وهو الذي اقتضى تقديم الحال أيضا، وقيل: هو المفعول الثاني، والمراد ب ذَوِي الْقُرْبى - ذوو قرابة- المعطي لكن المحاويج منهم لا مطلقا لدلالة سوق الكلام، وعد مصارف الزكاة على أن المراد الخير والصدقة- وإيتاء- الأغنياء هبة لا صدقة، وقدم هذا الصنف لأن- إيتاءهم- أهم فقد صح
عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح»
وأخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» .
وَالْيَتامى عطف على ذَوِي الْقُرْبى وقيل على الْقُرْبى إذ لا يصح إيصال المال إلى من لا يعقل فالمعطي حينئذ كافلهم لأجلهم، فيه ما لا يخفى وَالْمَساكِينَ جمع- مسكين- وهو الدائم السكون لما أن الحاجة أسكنته بحيث لا حراك به أو دائم السكون، والالتجاء إلى الناس، وتخصيصه بمن لا شيء له أو بمن لا يملك ما يقع موقعا من حاجته خارج عن مفهومه وَابْنَ السَّبِيلِ أي المسافر- كما قاله مجاهد- وسمي بذلك لملازمته الطريق في السفر أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته وكأن إفراده لانفراده عن أحبابه ووطنه وأصحابه فهو أبدا يتوق إلى الجمع، ويشتاق إلى الربع، والكريم يحن إلى وطنه حنين الشارف إلى عطنه، أو لأنه لما لم يكن بين أبناء السبيل، والمعطي تعارف غالبا يهون أمر الإعطاء ويرغب فيه أفردهم ليهون أمر إعطائهم