ثبوت حكاية الرهط عنده، وعن قتادة أنه فسر السحران بالقرآن والإنجيل والساحران بمحمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام وجعل ذلك القول قول أعداء الله تعالى اليهود، وتفسير الساحرين بذلك مروي عن الحسن، وروي عنه أيضا أنه فسرهما بموسى وعيسى عليهما السلام والكل كما ترى، وتفسيرهما بمحمد وموسى عليهما الصلاة والسلام مما رواه البخاري في تاريخه وجماعة عن ابن عباس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ سحران ويقول هما كتابان الفرقان والتوراة ألا تراه سبحانه يقول: فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أي فإن لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب أهدى منهما، وإنما عبر عنه بالاستجابة إيذانا بأنه عليه الصلاة والسلام على كمال أمن من أمره، كان أمره صلى الله تعالى عليه وسلم لهم بالإتيان بما ذكر دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه.
وقيل: المراد فإن لم يستجيبوا دعاءك إياهم إلى الإيمان بعد ما وضح لهم من المعجزات التي تضمنها كتابك الذي جاءهم فالاستجابة على ظاهرها لأن الإيمان أمر يريد صلّى الله عليه وسلّم حقيقة وقوعه منهم وهي كما في البحر بمعنى الإجابة وتتعدى إلى الداعي باللام كما في هذه الآية، وقوله تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ [يوسف: ٣٤] ، وقوله سبحانه:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ [الأنبياء: ٧٦، ٨٤، ٨٨، ٩٠] وبنفسها كما في بيت الكتاب:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقال الزمخشري: هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام وبحذف الدعاء إذا عدي إلى الداعي في الغالب فيقال: استجاب الله تعالى دعاءه أو استجاب له ولا يكاد يقال: استجاب له دعاءه، وقوله في البيت فلم يستجبه على حذف مضاف أي فلم يستجب دعاءه انتهى، ولو جعل ضمير يستجبه للدعاء المفهوم من داع لم يحتج إلى تقدير، وجعل المفعول هنا محذوفا لذكر الداعي، ووجهه على ما قيل: إنه مع ذكر الداعي والاستجابة يتعين أن المفعول الدعاء فيصير ذكره عبثا، وجوز كون الحذف للعلم به من فعله لا لأنه ذكر الداعي، وهذا حكم الاستجابة دون الإجابة لقوله تعالى: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [الأحقاف: ٣١] فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ الزائغة من غير أن يكون لهم متمسك ما أصلا إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ استفهام إنكاري للنفي أي لا أضل ممن اتبع هواه بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ أي هو أضل من كل ضال وإن كان ظاهر السبك لنفي الأضل لا لنفي المساوي كما مر في نظائره مرارا، وقوله تعالى: بِغَيْرِ هُدىً في موضع الحال من فاعل اتبع، وتقييد الاتباع بذلك لزيادة التقرير والإشباع في التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة، وقيل: للاحتراز عما يكون فيه هدى منه تعالى فإن الإنسان قد يتبع هواه ويوافق الحق، وفيه بحث إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم فانهمكوا في اتباع الهوى والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ الضمير لأهل مكة، وأصل التوصيل ضم قطع الحبل بعضها ببعض قال الشاعر:
فقل لبني مروان ما نال ذمتي ... بحبل ضعيف لا يزال يوصل
والمعنى ولقد أنزلنا القرآن عليهم متواصلا بعضه إثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة أو متتابعا وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا ومواعظ ونصائح، وقيل: جعلناه أوصالا أي أنواعا مختلفة وعدا ووعيدا إلخ، وقيل: المعنى وصلنا لهم خبر الآخرة بخبر الدنيا حتى كأنهم عاينوا الآخرة وعن الأخفش أتممنا لهم القول، وقرأ الحسن وَصَّلْنا بتخفيف الصاد والتضعيف في قراءة الجمهور للتكثير ومن هنا قال الراغب في تفسير ما في الآية عليها أي أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فيؤمنون بما فيه.