أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا هو الجواب حقيقة أي ما أكرهناهم على الغي وإنما أغويناهم بطريق الوسوسة والتسويل لا بالقسر والإلجاء فغووا باختيارهم غيا مثل غينا باختيارنا، ويجوز أن يكون الموصول صفة اسم الإشارة والخبر جملة أغويناهم كما غوينا ومنع ذلك أبو علي في التذكرة بأنه يؤدي إلى أن الخبر لا يكون فيه فائدة زائدة لأن إغواءهم إياهم قد علم من الوصف. ورد بأن التشبيه دل على أنهم غووا باختيار لا أن الإغواء إلجاء وقوله: إن كما غوينا فضلة فلا تصير ذاك أصلا في الجملة ليس بشيء لأن الفضلات قد تلزم في بعض المواضع نحو زيد عمرو قائم في داره وقرأ أبان عن عاصم وبعض الشاميين «كما غوينا» بكسر الواو، قال ابن خالوية: وليس ذلك مختارا لأن كلام العرب غويت من الضلالة وغويت بالكسر من البشم تَبَرَّأْنا منهم ومما اختاروه من الكفر والمعاصي هوى من أنفسهم موجهين التبرؤ ومهيئين له إِلَيْكَ والجملة تقرير لما قبلها لأن الإقرار بالغواية تبرؤ في الحقيقة ولذا لم تعطف عليه وكذا قوله تعالى: ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ أي ما كانوا يعبدوننا وإنما كانوا يعبدون في نفس الأمر والمآل أهواءهم، وقيل: ما مصدرية متصلة بقوله تعالى: تَبَرَّأْنا وهناك جار مقدر أي تبرأنا من عبادتهم إيانا وجعلها نافية على أن المعنى ما كانوا يعبدوننا باستحقاق وحجة ليس بشيء وأيا ما كان فإيانا مفعول يعبدون قدم للفاصلة وَقِيلَ تقريعا لهم وتهكما بهم ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الذين زعمتم فَدَعَوْهُمْ لفرط الحيرة وإلا فليس هناك طلب حقيقة للدعاء، وقيل: دعوهم لضرورة الامتثال على أن هناك طلبا، والغرض من طلب ذلك منهم تفضيحهم على رؤوس
الأشهاد بدعاء من لا نفع له لنفسه قيل: والظاهر من تعقيب صيغة الأمر بالفاء في قوله تعالى: فَدَعَوْهُمْ أنها لطلب الدعاء وإيجابه والأول أبلغ في تهويل أمر أولئك الكفرة والإشارة إلى سوء حالهم وأمر التعقيب بالفاء سهل فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ضرورة عدم قدرتهم على الاستجابة والنصرة، وجوز أن يكون المراد فلم يجيبوهم لأنهم في شغل شاغل عنهم ولعلهم ختم على أفواههم إذ ذاك وَرَأَوُا الْعَذابَ الظاهر أن الضمير للداعين وقال الضحاك: هو للداعين والمدعوين جميعا، وقيل: هو للمدعوين فقط وليس بشيء.
والظاهر أن الرؤية بصرية ورؤية العذاب إما على معنى رؤية مباديه أو على معنى رؤيته نفسه بتنزيله منزلة المشاهد، وجوز أن تكون علمية والمفعول الثاني محذوف أي رأوا العذاب متصلا بهم أو غاشيا لهم أو نحو ذلك.
وأنت تعلم أن حذف أحد مفعولي أفعال القلوب مختلف في جوازه وتقدم آنفا عن البعض أن الأكثرين على المنع فمن منع وقال في بيان المعنى ورأوا العذاب متصلا بهم جعل متصلا حالا من العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ لو شرطية وجوابها محذوف أي لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل يدفعون به العذاب لدفعوا به العذاب أو لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين مؤمنين لما رأوا العذاب.
واعترض بأن الدال على المحذوف رأوا العذاب وهو مثبت فلا يقدر المحذوف منفيا وهو غير وارد لأن الالتفات إلى المعنى وإذا جاز الحذف لمجرد دلالة الحال فإذا انضم إليها شهادة المقال كان أولى وأولى، وجوز أن تكون لَوْ للتمني أي تمنوا لو أنهم كانوا مهتدين فلا تحتاج إلى الجواب وقال صاحب التقريب: فيه نظر إذ حقه أن يقال لو كنا إلا أن يكون على الحكاية كأقسم ليضربن أو على تأويل رأوا متمنين هدايتهم.
وجوز على تقدير كونها للتمني أن يكون قد وضع لو أنهم كانوا مهتدين موضع تحيروا لرؤيته كان كل أحد يتمنى لهم الهداية عند ذلك الهول والتحير ترحما عليهم أو هو من الله تعالى شأنه على المجاز كما قيل: في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ [البقرة: ١٠٣] ، وجعل الطيبي وضعه موضعه من إطلاق المسبب على السبب لأن تحيرهم سبب حامل على هذا القول.