ببغي، وضعف بنحو ذلك، وقال أبو البقاء: بآتينا، ويجوز أن يكون ظرفا لمحذوف دل عليه الكلام أي بغى عليهم إذ قال، وفي كل منهما ما سبق، وقال الحوفي منصوب باذكر محذوفا، وجوز كونه متعلقا بما بعده من قوله تعالى: قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ والجملة مقررة لبغيه ورجح تعلقه بمحذوف والتقدير أظهر التفاخر والفرح بما أوتي إذ قال له قومه لا تَفْرَحْ لا تبطر والفرح بالدنيا لذاتها مذموم لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتما كما قال أبو الطيب:
أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا
وقال ابن شمس الخلافة:
وإذا نظرت فإن بؤسا زائلا ... للمرء خير من نعيم زائل
ولذلك قال عز وجل: وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ [الحديد: ٢٣] والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير قال الشاعر:
ولست بمفراح إذ الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب
وقال آخر:
إن تلاق منفسا لا تلقنا ... فرح الخير ولا نكبو لضر
وعلل سبحانه النهي هاهنا بكون الفرح مانعا من محبته عز وجل فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ فهو دليل على أن كون الفرح بالدنيا مذموما شرعا، وإنما قلنا: إن الفرح بها لذاتها مذموم لأن الفرح بها لكونها وسيلة إلى أمر من أمور الآخرة غير مذموم، ومحبة الله تعالى عند كثير صفة فعل أي أنه تعالى لا يكرم الفرحين بزخارف الدنيا ولا ينعم جل شأنه عليهم ولا يقربهم عز وجل، والمراد أنه تعالى يبغضهم ويهينهم ويبعدهم عن حضرته سبحانه، وقال بعضهم: إن في نفي محبته تعالى إياهم تنبيها على أن عدم محبته تعالى كاف في الزجر عما نهى عنه فما بالك بالبغض والعقاب وهو حسن، وحكى عيسى بن سليمان الحجازي أنه قرىء «الفارحين» .
وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ من الكنوز والغنى الدَّارَ الْآخِرَةَ أي ثوابها أي ثواب الله تعالى فيها بصرف ذلك إلى ما يكون وسيلة إليه و (في) إما ظرفية على معنى ابتغ متقلبا ومتصرفا فيه أو سببية على معنى ابتغ بصرف ما أتاك الله تعالى ذلك وقرىء «اتبع» وَلا تَنْسَ أي ولا تترك ترك المنسي نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا أي حظك منها وهو كما أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن تعمل فيها لآخرتك، وروي ذلك عن مجاهد.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة هو أن تأخذ من الدنيا ما أحل الله تعالى لك، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن منصور قال: ليس هو عرض من عرض الدنيا ولكن نصيبك عمرك أن تقدم فيه لآخرتك، وأخرج ابن المنذر وجماعة عن الحسن أنه قال في الآية: قدم الفضل وأمسك ما يبلغك، وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف، وقيل:
أرادوا بنصيبه من الدنيا الكفن كما قال الشاعر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رادءان تلوى فيهما وحنوط
وفي نهيهم إياه عن نسيان ذلك حض عظيم له على التزود من ماله للآخرة فإن من يكون نصيبه من دنياه وجميع ما يملكه الكفن لا ينبغي له ترك التزوّد من ماله وتقديم ما ينفعه في آخرته وَأَحْسِنْ إلى عباد الله عز وجل كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ أي مثل إحسانه تعالى إليك فيما أنعم به عليك، والتشبيه في مطلق الإحسان أو لأجل إحسانه سبحانه إليك على أن الكاف للتعليل.